بقلم: جيمس زغبي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- في أقل من شهر، ستجري إسرائيل انتخاباتها العامة الخامسة في غضون أربع سنوات. وتغص الصحافة الإسرائيلية بتعليقات بلا حصر، وبتقارير عن استطلاعات رأي تظهر المتقدمين والمتخلفين، وبتوجيه الاتهام مبكراً بشأن المسؤولية، وبإحساس سائد بالكآبة يعترف بأنه بصرف النظر عن عدد الأصوات، فلن يكون المستقبل أكثر إشراقاً أو يقيناً من الحاضر.
الواضح، بشدة، في هذا هو أن هذه الانتخابات، مثل الانتخابات الأربعة السابقة، لها مصدر قلق رئيسي واحد ويتمثل في السؤال: هل يعود بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة؟ وهناك قضايا أخرى، بالتأكيد، مثل احتمالات سيطرة الأحزاب الدينية المتشددة على طائفة من السياسات التي تضمن امتيازات معينة لأتباعها، أو مدى خضوع نتنياهو للمحاسبة في الإجراءات الجنائية ضده. لكن بالنسبة لغالبية الناخبين الإسرائيليين، ولصانعي السياسة الأميركية القضية المحورية هي “هل مستقبل إسرائيل يتضمن نتنياهو أو لا يتضمنه؟”. وتُظهر استطلاعات الرأي الأسبوعية أن نتيجة هذه الانتخابات ستكون غير حاسمة مثل الأربع السابقات.
وقد يحصد ائتلاف الأحزاب الداعمة لنتنياهو العدد السحري البالغ 61 مقعداً في الكنيست- الحد الأدنى للأغلبية- أو قد لا يحقق هذا، مما يؤدي إلى جمود سياسي ودعوات لإجراء انتخابات سادسة. ولا تتنبأ أي استطلاعات حالية للرأي بأن هناك 61 مقعداً يستطيع حصدها غير المؤيدين لنتنياهو.
والوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها الكتل المؤيدة أو المعارضة لنتنياهو حصد أكثر من 61 بسهولة تتمثل في ضم حزب عربي، وهو غير مرجح فيما يبدو. فبعد إدانة نتنياهو لـ “حكومة التغيير” الحالية لضمها حزباً عربياً محافظاً (على الرغم من أنه نفسه قد خطب ودهم)، فلن يضم الأحزاب العربية الآن على الأرجح. ولن يضمهم أيضاً الائتلاف المناهض لنتنياهو بعد أن أبدى أحد أحزابه الرئيسية تحفظات على العمل في حكومة ائتلافية أخرى تعتمد على الأصوات العربية. وحتى لو حصد ائتلاف نتنياهو 59 مقعداً مقابل 56 مقعداً للمعارضة، مع احتمال السيطرة على الحكومة بدعم سلبي من حزب عربي، فمن المحتمل أن يهاجم نتنياهو هذه الحكومة بلا هوادة باعتبارها حكومة “أقلية” (أي أقلية من اليهود)، بالطريقة نفسها التي شن بها هجومه، مع وأرييل شارون، على حكومة إسحاق رابين في التسعينيات.
ومنذ 19 شهراً فحسب، أي قبل الانتخابات الإسرائيلية السابقة، كتبت أن الإطاحة بنتنياهو لن تفشل في تحسين حياة الفلسطينيين وحقوقهم فحسب، بل قد تفاقم من أوضاع حياتهم وحقوقهم أيضاً. وكنت أخشى، استناداً إلى ائتلاف هش، أن تشعر “حكومة التغيير” بالحاجة إلى حماية جناحها اليميني من خلال إبداء الشدة تجاه الفلسطينيين ودعم المشروع الاستيطاني. وخشيت أيضاً أن يرحب الليبراليون الأمريكيون بـ “حكومة التغيير” باعتبارها ائتلافاً مناهضاً لنتنياهو يضم أحزاباً من الوسط واليمين وحتى حزباً عربياً محافظاً، مما يمنحها تصريحاً لمتابعة أي سياسات ضرورية للبقاء في السلطة. وهذا هو بالضبط ما حدث. واتبعت “حكومة التغيير” السياسات التي اتبعتها الحكومة السابقة، وكانت أسوأ في بعض الحالات.
فقد تواصل توسع المستوطنات واستمرت مصادرة الأراضي واستمر معها تقديم “أراضي الدولة” ليستخدمها المستوطنون وحدهم، وتم التغاضي إلى حد كبير عن استفزازات المستوطنين في القدس والضفة الغربية. واستمرت السياسات التي أُريد بها إضعاف السلطة الفلسطينية باعتبارها إجراءات معيارية. ولم يتغير أي شيء سوى صمت الولايات المتحدة رداً على تصرفات “حكومة التغيير” هذه.
وتقلص المبدأ التوجيهي للسياسة الأميركية في المعترك الإسرائيلي الفلسطيني إلى حد مثير للشفقة اكتفى بعدم القيام بأي شيء قد يضر بفرص بقاء القوى المناهضة لنتنياهو في السلطة، والآن والفوز في نوفمبر، بينما يتكبد الفلسطينيون ثمنا باهظاً. والأكثر إثارة للقلق هو أنه لو كان نتنياهو هو المسؤول، لربما تعين على الولايات المتحدة الميل نحو انتقاد أفعاله علانية. لكن جماعة “حكومة التغيير” لم يوجه لها أي لوم، باستثناء تعبير الولايات المتحدة عرضياً عن “قلق”. وبعد عام ونصف عام، تقترب انتخابات إسرائيلية أخرى تحوطها المخاوف نفسها، والنتيجة نفسها على الأرجح.
ومرة أخرى، القضية الكبيرة الوحيدة تتمثل في التساؤل عن احتمالات عودة نتنياهو رئيساً للحكومة. ولنزع قشرة “التغيير” وإجبار المؤسسة الليبرالية الأمريكية على مواجهة واقع السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والتصرف ضدهم، أجد نفسي مضطراً لأن اتشبث بأمل أن يفوز نتنياهو.