بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– بعد الفوز الكبير الذي حققه حزب “إخوة إيطاليا”، بقيادة جورجيا ميلوني، يصل فاشيو إيطاليا الجدد إلى الحكم، حيث انتقل هذا الحزب خلال سنوات من حزب هامشي، إلى سدّة الحكم، بحصوله على أكثر من 26% من أصوات الناخبين، في الانتخابات التشريعية، وستحكم ميلوني إيطاليا، كأول سيدة تصل إلى منصب رئاسة الوزراء، عبر تحالفها مع الحزبين اليمينيين “الرابطة”، و”فورتسا إيطاليا”، وتتشارك الأحزاب الثلاثة مواقف متشدّدة من قضايا متعددة، في مقدمتها الموقف من الاتحاد الأوروبي، والهجرة، والاقتصاد، واللاجئين، والإسلاموفربيا.
قبل وقت قصير، فاز اليمين المتطرّف في الانتخابات التشريعية السويدية، وذلك للمرة الأولى في تاريخ هذا البلد، الذي تبنى على الدوام مواقف شبه محايدة تجاه الصراعات الدولية، وسياسات منفتحة تجاه اللاجئين، واقتصاد رأسمالي يتضمّن تطبيقات اشتراكية على المستوى الاجتماعي، لحماية الفئات الضعيفة في المجتمع، وكما حدث في إيطاليا، تحوّل حزب “ديمقراطيي السويد” من حزب هامشي، حصل على أقل من 6% من أصوات الناخبين في عام 2010، إلى ثاني أقوى حزب، بحصوله على أكثر من 20% في الانتخابات الأخيرة، وهو الحزب المولود من رحم الحركة النازية، التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي في السويد.
صعود اليمين عموماً، واليمين المتطرّف خصوصاً، في أوروبا، أصبح واقعاً، وبغض النظر عن وصوله للسلطة فأحزابه اليوم تحظى بمكانة قوية، وامتداد جماهيري، وهو ما تعكسه نسبة الأصوات التي تفوز بها، سواء في الانتخابات التشريعية (البرلمانية)، أو الانتخابات البلدية (المحليّات)، وإذا كان وجوده في سدّة الحكم منذ سنوات في المجر مقلقاً للاتحاد الأوروبي، فإن المجر، لا تبدو من حيث الإمكانيات الديموغرافية أو الاقتصادية بلداً وازناً ومؤثراً في اللوحة الأوروبية، لكن وصوله إلى الحكم في دولة مثل إيطاليا، ثالث اقتصاد أوروبي، وتعداد سكّان حوالي 60 مليون نسمة، هو مؤشر أكثر من مقلق بالنسبة للاتحاد الأوربي، الذي عانى قبل عامين من خروج بريطانيا من الاتحاد، وهي دولة مؤثرة سياسياً واقتصادياً ومالياً، ليس فقط في أوروبا، بل وفي العالم.
وإذا كان مفهوماً أن التاريخ لا يمضي في خطّ تقدّمي، وأن الانتكاس والارتداد نحو الماضي ممكن، إلا أن انتكاسات بهذا الحجم في القارة الأوروبية، من شأنها أن تضع الكثير من علامات الاستفهام والتعجّب، حول عموم التجربة الأوروبية في العقود الأخيرة، وحول تجربة الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، فقد أعطت تجربة الاتحاد إشارات، كانت شبه حاسمة، إلى تجاوز السياسات القومية الصرفة، وبناء معايير وقيم أوروبية جامعة ومشتركة، والأهم من ذلك، فكرة المصير المشترك للأوروبيين، وقد ولّدت هذه الحالة ما يشبه الهويّة العابرة للقوميات في أوروبا، تكاد تكون هويّة أوروبية، تتمتع بصفات الانفتاح والتضامن والمسؤولية الجماعية والتشاركية.
في مطلع تسعينات القرن الماضي، وانهيار جدار برلين، فتح الاتحاد الأوروبي أبوابه للدول الخارجة من منظومة الاتحاد السوفييتي المنهار، حيث بدا آنذاك، أن الاتحاد هو مستقبل أوروبا غير القومية، والسبيل إلى التقدّم والازدهار الافتصادي والمعيشي، وسارعت الكثير من الدول لاستبدال عملتها الوطنية بالعملة الأوروبية الموحدة، التي أصبحت من أهم رموز الوحدة بين البلدان الأوروبية، لكن هذا الحلم الأوروبي، بدأ يعاني منذ سنوات، خصوصاً أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد، أعطى إشارة قوية بأنها تقفز من قارب غير معروف الوجهة، وأنه نوع من النجاة المبكرة من الغرق.
كانت جائحة “كورونا”، حالة كاشفة للتعامل الانتهازي القومي الذي سلكته بعض الدول الأوروبية؛ حيث ظهر نقص التضامن، الذي سارعت لاحقاً ألمانيا وفرنسا وهولندا إلى تجاوزه، بدفع الاتحاد الأوروبي إلى إقرار حزمة مساعدات كبيرة، لكن ما إن مضت الأيام الأثقل للجائحة، وما تركته من تداعيات، حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية، التي أيقظت الكثير من المخاوف، ودفعت الأوروبيين إلى تبادل التهم، كما حدث بين فرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى موضوع رئيسي وحسّاس تاريخياً، وهو موضوع الدفاع والأمن، الذي رمى بثقله على النقاش السياسي، والخيارات المستقبلية لتقوية الجيوش، وإقرار موازنات أكبر لتمكينها، كما حدث مؤخراً في إقرار الحكومة الألمانية 100 مليار يورو لدعم الجيش.
إذا كانت الفاشية الأولى قد ظهرت في إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى، والانهيار الاقتصادي الكبير، وفشل السياسات الليبرالية في إنعاش الاقتصاد، فإن هناك ما يشبه إلى حدّ كبير تلك اللحظة التاريخية، حيث تبدو سنوات الرفاه من الماضي، وهو ما سيدفع الروح القومية من جديد إلى الواجهة، مستدعية أسوأ ما فيها، وهو روح الفاشية، بأحزابها وخطاباتها وشعاراتها، وربما أدواتها.