بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- مرة أخرى، تستدعي ظاهرة الأعاصير العنيفة التي تضرب مشارق الأرض ومغاربها، الانتباه، بسبب خطورتها والحصيلة الثقيلة لضحاياها، مادياً وبشرياً. فبينما تسبب الإعصار “إيان” بتشريد آلاف السكان وقطع الكهرباء كلياً في كوبا، ألحق نظيره “نورو” أضراراً فادحة بآلاف المنازل في فيتنام، وكلاهما اكتسح اليابسة بفيضانات واسعة النطاق.
ما يخلفه إعصار من أضرار في بلد ما خلال ساعات، قد يفوق ما تحدثه حرب بين جيشين متوسطي القوة خلال أشهر، من ناحية التدمير الذي يلحق بالبنى التحتية وقطاع النقل والمواصلات، أما حصيلة الضحايا البشرية فهي ثقيلة في كل الأحوال، ولو لم تكن مباشرة، لكنها بالنظر إلى التأثيرات فإنها كبيرة وتضع حياة الملايين في خطر دائم. وبعبارة أوضح فإن الظواهر الجوية العنيفة المتوالية أصبحت شاهدة حية على خطورة التغيرات المناخية، وما ينجم عنها من فيضانات وذوبان الجليد، وجفاف وتصحر، وارتفاع في درجات الحرارة، ونقص في الغذاء وانتشار للأمراض والأوبئة.
وبعملية حسابية دنيا فإن ضحايا هذه العوامل بالآلاف يومياً على مساحة الكرة الأرضية، وهذا الرقم الصادم لا تخلفه إلا حرب ضارية. أما ما تتعرض إليه الطبيعة جراء الظواهر المناخية القاسية، فهي حرب غير تقليدية، وتستوجب النظر بعمق في تأثيراتها من أجل إيجاد الحلول العملية لحماية الأرض من مصير مجهول يساهم البشر في تعميق هاويته.
في افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة السابعة والسبعين، حذر أنطونيو غويتريس من “احتراق الكوكب” بسبب تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وعندما زار باكستان المنكوبة جراء الفيضانات المدمرة، قال إنه “لم يشاهد مذبحة مناخية بهذا الحجم”، في إشارة إلى الحدث المروع الذي خلف مئات الضحايا وملايين المشردين.
وما يقوله أرفع دبلوماسي في العالم، ملّ من ذكره الخبراء والمختصون من خلال التحذيرات والتنبيهات إلى المخاطر المحدقة بالأرض. وربما يأتي زمن تنسى فيه الشعوب والحكومات مهامها الرسمية لتتفرغ إلى الاستنفار والتأهب لمواجهة إعصار، أو فيضان، أو جفاف، لا سيما وأن هذه الظواهر آخذة في الاتساع والتطرف. وما يحدث في فلوريدا الأمريكية هذه الساعات من إخلاء وتحصين لمواجهة عواصف مدمرة وفيضانات جارفة، يؤكد أن هذه الظروف تصور حالة الاستعداد لمعركة مع الطبيعة.
الأعاصير لم تتوقف منذ الأزل، وهي مستمرة ما بقي الكون، لكن الخطر الماثل في هذا الظرف يتمثل في زيادة شراستها، أسوة بالمتغيرات المناخية الأخرى. وهذه المشكلة يستوجب حلها بطرق علمية، تأخذ في الحسبان حق الإنسان والكائنات المختلفة في الحياة الآمنة، أما تجاهلها، أو البحث في حلول جزئية لمواجهتها فلن يزيد الوضع إلا تدهوراً، في ضوء تحذيرات العلماء والمختصين بأن تفاقم التغيرات الملحوظة في المناخ سيؤدي إلى احتمال انقراض بعض النباتات والكائنات الحية، بما يساهم في اختلال التوازن البيئي. ومن أجل تفادي هذا المصير الأسود ومخاطره، يجب أن تكون القضايا المناخية أولوية مطلقة لدى جميع الأطراف، لأنه على طريقة حلها يتوقف تأمين الحياة في القرون المقبلة.