بقلم: حازم سالم الضمور
الشرق اليوم– نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تحليل سياسات، يسعى لتقديم قراءة تحليلية لإعلان حركة “حماس” استئناف علاقاتها مع سوريا بعد عقد من القطيعة، ويبحث في دوافع ذلك الإعلان في ضوء طموحات الحركة والضغوط التي تحاصرها، وفي ظل العوامل والمتغيرات المؤدية إلى هذا الإعلان، والمشاكل الداخلية والعقبات الخارجية التي واجهته أو قد تواجهه.
أدناه نص الورقة التحليلية كما ورد في موقع المركز:
مقدمة
في الخامس عشر من سبتمبر 2022 أعلنت حركة “حماس” في بيان رسمي لها حمل عنوان (أمة واحدة في مواجهة الاحتلال والعدوان) عن “مُضيها في بناء وتطوير علاقات راسخة مع الجمهورية العربية السورية، في إطار قرارها باستئناف علاقاتها مع سوريا الشقيقة”، مؤكدة وقوفها إلى جانب سوريا، وتقديرها “للجمهورية العربية السورية قيادة وشعباً”، وموقفها الثابت من “وحدة سوريا أرضاً وشعباً”، ورفضها أي مساس بذلك.
قرار حماس باستئناف علاقاتها مع سوريا جاء بعد عقدٍ من قرارها السابق بمغادرة دمشق في فبراير 2012 على خلفية الأزمة السورية التي اندلعت في مارس 2011، وهو عقدٌ شهد الكثير من التحولات في مواقف “حماس” تجاه سوريا، كما في مواقف دمشق تجاه “حماس”.
الإعلان عن استئناف العلاقات ما بين “حماس” وسوريا لم يكن تصرفاً انفعالياً أو ردة فعل لأحداث معينة، بقدر ما جاء كنتيجة متوقعة لجملة من التغيرات الإقليمية والدولية التي قادت إليه، وهي تغيرات تتحكم في ميزان “المصالح” السياسية للأطراف ذات الصلة، حيث ليس ثمة “تحالفات” دائمة في عالم السياسة.
في هذا السياق يمكن قراءة إعلان “حماس” استئناف علاقاتها مع سوريا، سواء من حيث التغيرات الموضوعية في المحيط الإقليمي والدولي خلال السنوات العشر الماضية، أو من حيث المصالح السياسية المتوقعة لكل من “حماس” وسوريا، وبالتالي يمكن استقراء مستقبل تلك العلاقات، وهو موضوع التحليل وسؤاله الرئيسي!
حماس: طموحات وضغوطات
ربما تكون حركة “حماس” ذات المصالح الأكبر في استئناف العلاقات مع سوريا، حتى لو لم يتم استئناف تلك العلاقات بالكامل أو كما تريد “حماس”، فالحركة تعاني في بناء هويتها السياسية الجديدة ذات الطموحات الواسعة، التي تجاوزت كونها مجرد حركة سياسية تعتبر امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في الضفة الغربية وقطاع غزة من جانب، عوضاً عن تعرضها للضغوطات الرسمية التي تحاصرها فلسطينياً وإسرائيلياً وإقليمياً من جانب آخر.
فمن الناحية الأولى تطمح “حماس” للعب دور سياسي إقليمي فاعل في المنطقة، ونجاحها في ذلك يشكل “طوق نجاة” لجماعة الإخوان المسلمين بعد سلسلة إخفاقاتها الأخيرة في العالم العربي، خاصة أن قطاع غزة يعتبر آخر معاقل الحكم المحسوبة على تلك الجماعة، و”حماس” حركة براغماتية تعي أن ذلك الدور محكوم بلعبة “المصالح الدائمة” وليس “التحالفات الدائمة”، وعودة العلاقات مع سوريا يُجسد بحث “حماس” عن أي “شرعية عربية رسمية”، ويبعث رسائل للدول المؤثرة في الإقليم والعالم أنها قادرة على “التكيف السياسي” في أصعب الظروف.
ومن الناحية الثانية، تواجه الحركة داخلياً وخارجياً سلسلة من الضغوطات التي تسعى لتحجيم موقعها في الشارع الفلسطيني والعربي من الناحية العسكرية، كما هو الحال في ضغوطات السلطة الفلسطينية التي تخشى من تكرار نموذج غزة في الضفة الغربية بشكل أو بآخر، إضافةً إلى ضغوطات إسرائيلية تدفع لرسم مسار “المقاومة المسموحة” للحركة ونهجها السياسي، فضلاً عن ضغوطات من دول إقليمية من أجل دمجها أكثر في معادلات المنطقة.
عوامل ومتغيرات
يضاف إلى ما سبق جملة من العوامل والمتغيرات التي يمكن تحليل إعلان “حماس” على ضوئها، والمتمثلة بشكل خاص بما يلي:
أولاً: انتهاء الرهان على المعارضة السورية على المستوى الإقليمي، خاصة بعد فشل تجارب الإخوان المسلمين في العالم العربي، والتوجه الإقليمي وشبه العالمي لتجاوز قضية تغيير النظام في سوريا، وبالتالي تحوّل علاقات “حماس” بالمعارضة السورية إلى عبء ثقيل ينبغي التخلي عنه بطريقة تحفظ ماء الوجه تحت شعارات مواجهة الاحتلال والعدوان.
ثانياً: توجّه تركيا الحليف الأهم للحركة، إلى استئناف العلاقات مع سوريا وفتح صفحة جديدة معها، وعدم معارضة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لذلك، قد يؤشر إلى موافقة الإخوان الضمنية على إعلان “حماس” الأخير.
ثالثاً: دور إيران و “حزب الله” الذي لم يتوقف من أجل “إعادة” الحركة إلى مربع المحور (الإيراني- السوري)، وهو الدور الذي أشار إليه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خلال حوار مع شبكة الميادين في يوليو 2022، إلى اهتمامه بشكلٍ شخصي، بتسوية العلاقة بين “حماس” وسوريا، مضيفاً أنّ “سوريا منفتحة فيما يتعلق بالعلاقة مع حماس، والمسار إيجابي”.
رابعاً: سعي روسيا إلى تعزيز دورها الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأزمة السورية، من خلال تعزيز محور التحالف (الروسي- الإيراني- السوري)، وقد ظهر هذا الدور بشكل واضح خلال زيارة وفد من حركة “حماس” برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية لموسكو في الحادي عشر من سبتمبر 2022 ولقائه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وإشارة هنية إلى “التوصل إلى قرارات بشأن عدد من القضايا في الشرق الأوسط” خلال تلك الزيارة.
خامساً: الأوضاع الميدانية المتوترة في الضفة الغربية، وازدياد الحديث عن احتمالات انهيار الأوضاع الأمنية فيها، سواء بسبب حملات عسكرية إسرائيلية متوقعة تستهدف شمال الضفة، أو بسبب ازدياد حدة الخلافات الداخلية في حركة فتح على خلفية مستقبل السلطة الفلسطينية ما بعد رئيسها محمود عباس، وبالتالي حاجة “حماس” لتعزيز مواقعها العربية والإقليمية بحكم ما تراه “حقاً” لها في المشاركة في رسم مستقبل الضفة الغربية.
سادساً: سعي “حماس” لتكريس شرعيتها التمثيلية في النظام الرسمي العربي والإقليمي، وهو سعي مستمر لم ينته باستقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لإسماعيل هنية ووفد الحركة بشكل أقرب لرؤساء الحكومات في ذكرى استقلال الجزائر في ظل وجود وفد السلطة الفلسطينية الذي يرأسه محمود عباس، وما سبقه من زيارة هنية لسلطنة عُمان للتعزية بوفاة السلطان قابوس قبل عامين في ظل وجود عباس كذلك، والتمثيل الرسمي الذي تحظى به “حماس” في قطر وتركيا، بالإضافة إلى علاقاتها مع مصر فيما يتعلق بإدارة شؤون قطاع غزة، وسعيها الحثيث لإقامة علاقات رسمية مع الأردن ومحاولات التقارب معها.
مشاكل وعقبات
إعلان “حماس” استئناف علاقاتها مع سوريا لم ولن يمر دون مشاكل داخلية أو عقبات خارجية، حيث تتمثل المشاكل الداخلية في حالة الرفض لذلك الإعلان من قبل أصحاب التوجه السلفي داخل صفوفها، كما من قبل أعضائها المناصرين للمعارضة السورية، وتتمثل العقبات الخارجية في طبيعة التصور السوري لمستقبل العلاقات مع “حماس” وما يمكن أن يتضمنه من ضوابط واشتراطات.
داخلياً؛ وعلى مستوى أنصار الحركة والمتعاطفين معها من “الإخوان المسلمين”، أثار إعلان “حماس” استئناف علاقاتها مع سوريا ردود فعل متباينة، برز فيها رد الفعل الرافض بحدة لذلك الإعلان أنصارها كما من قبل رموز دينية مهمة بالنسبة لها اضطرتها لاستدعاء “الموقف الشرعي” لمواجهة الرافضين، حيث تم إصدار بيان حمل توقيع “جمع من علماء فلسطين” في 20 سبتمبر 2022 جاء فيه أن خطوة “حماس” تخضع “لمبـادئ السياسة الشرعية المبنية على الموازنة بين المصالح والمفاسد المتعارضة، وللحركة أن تعمل ما تراه مناسباً ضمن هذه القاعدة حين تترجح فيها المصلحة لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته، ونصرتها واجبة على إخوانها المسلمين، لأنها تدافع عن مقدسات الأمة وتسعى إلى تحريرها”، وتم توقيع البيان من قبل 30 شخصية من أساتذة الجامعات المحسوبين على “حماس” في قطاع غزة.
خارجياً؛ تتمثل أهم العقبات في طبيعة التصور السوري لمستقبل العلاقات مع الحركة وما يمكن أن يتضمنه من ضوابط واشتراطات، فحتى اللحظة لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة السورية تعقيباً على إعلان “حماس”، كما لم يتم التطرق لتفاصيل استئناف العلاقات ما بين الحركة وسوريا، ما قد يشير إلى أن هذا الإعلان لا يصل لمستوى إعادة العلاقات كما كانت عليه سابقاً، بل سيكون أقل درجة من ذلك، وهو الأمر الذي يمكن استنتاجه من نقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن مصدر من حركة “حماس” أن “النظام لن يسمح لبعض شخصيات حماس بدخول البلاد مرة أخرى، أبرزها خالد مشعل”.
ماذا عن الأردن؟
ليس خافياً حرص حركة “حماس” الكبير وسعيها المتواصل لإعادة علاقاتها مع المملكة الأردنية الهاشمية منذ العام 1999 الذي شهد حظر الأردن للحركة وإبعاد قادتها عن الأراضي الأردنية، وليس أدل على ذلك من استفادة قادة “حماس” من أي فرصة تتاح لهم لزيارة الأردن، كما حصل في زيارة مسؤول حماس في الخارج خالد مشعل للأردن في أغسطس 2022 “لأسباب شخصية وعائلية”، وما سبقها من زيارة له برفقة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، للمشاركة في جنازة القيادي السابق في الحركة إبراهيم غوشة في عام 2021، وغيرها من الزيارات والمناسبات.
بالنسبة للأردن، من غير المتوقع أن يكون في موقع المتأثر من عودة العلاقات بين “حماس” ودمشق، إلا أنه ينظر بلا شك ويُراقب التغيرات التي تشهدها الحركة، سواء على صعيد إدارتها المحلية لقطاع غزة، أو علاقاتها الخارجية، ويبدو موقفه من الحركة مرهوناً في الكيفية التي ستواصل بها “حماس” تغيير سياساتها الداخلية أو الخارجية، وتقييم إذا ما كانت كافية لاعتبارها نهاية للأسباب التي حكمت موقف عمّان السابق من الحركة منذ العام 1999، ولربما أن نجاح “حماس” في سعيها للتحول إلى كيان سياسي، قد يؤهلها مستقبلاً لتأدية دوراً أكبر في الملف الفلسطيني، ما يعني أن الأردن ومن منطلق الحفاظ على أمنه الوطني، ودوره التاريخي في القضية الفلسطينية، سيقرر حينها طبيعة تعاطيه مع الحركة وفقاً لأسس محددة بدقة وضمن مستويات تنسيقية، تديرها أجهزة ومؤسسات في الدولة.
وهنا يجدر الإشارة إلى العلاقة بين مصر وحركة “حماس”، حيث لم تمنع مواقف الدولة المصرية من جماعة “الإخوان المسلمين” من قيام علاقات ما بين القاهرة و”حماس”، والتي لا ترقى إلى الأبعاد الاقتصادية والأيديولوجية.
خاتمة
يحمل إعلان حركة “حماس” استئناف علاقاتها مع سوريا، العديد من الدلالات، أولها؛ اتساع مساحة المصالح المشتركة ما بين الحركة وسوريا في المرحلة الحالية، وثانيها؛ قدرة التيار المنفتح على إيران و “حزب الله” على صنع القرار داخل “حماس”، وهو التيار الذي يستند على قوة الحركة العسكرية في قطاع غزة، وكونه كذلك لا يعني أنه تيار “ثوري” بالضرورة، بل يعني قدرته على اتخاذ القرارات الصعبة، حتى أكثرها براغماتية، وثالثها؛ اتساع رقعة الخلاف “النظري، الفقهي والسياسي” ما بين التيار المنفتح على إيران و “حزب الله” وبالتالي سوريا من ناحية، وما بين التيار السلفي التقليدي داخل “حماس” وبين أنصارها وداعميها من ناحية ثانية، لكنّ ذلك الخلاف لن يشكل تهديداً لوحدة “حماس” التنظيمية في المدى المنظور.
وإذا كان بالإمكان اعتبار قرار “حماس” السابق بمغادرة دمشق والتوجه صوب الدوحة وأنقرة في العام 2012 قراراً استراتيجياً، فإنّ ذلك لا ينطبق على قرار العودة إلى دمشق في العام 2022، لأن تلك “العودة” غير مرتبطة بمغادرة الدوحة وأنقرة بقدر ما هي مرتبطة بسياسات ليست بعيدة عنهما بحال.