بقلم: ليال الاختيار – النهار العربي
الشرق اليوم- عادت الأصوات اليمينية المتشددة في الولايات المتحدة إلى دعوة الإدارة إلى اللجوء إلى خيار الحرب ضد إيران، أو أقله الضربة العسكرية كرادع وحيد لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وهي الدعوة التي تتلاقى مع التوجه الإسرائيلي الذي كرر مراراً وتكرراً.
هذه الدعوة ليست بالجديدة، فهي بدأت منذ عام 2007 على سبيل النكتة مع المرشح جون ماكين، حين قال أثناء إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية الأميركية إنه يريد قصف إيران بالقنابل، ليحول بعدها جون بولتون وكيل وزارة الخارجية السابق لشؤون الحد من التسلح في عهد جورج دبليو بوش، هذه النكتة إلى دعوة جدية إلى شن عمل عسكري عام 2015، وذلك في مقالة بعنوان “لوقف القنبلة الإيرانية، (يلزم) قصف إيران”.
بعد بولتون حمل الإسرائيليون هذه الورقة وحاولوا أكثر من مرة حشد دعم دولي وغطاء أميركي للقيام بضربة “السهم في القلب”، أي تدمير كامل القدرة النووية الإيرانية، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب حسابات واشنطن التي كان عنوانها طيلة الفترة الماضية “صفر حروب في الشرق الأوسط وتفرغ تام لتهديد الهندي والهادئ”.
لكن هنا، وحتى إن ذهب البعض إلى القول إن إسرائيل قد اتخذت في وقت سابق قرارين بمفردها لتدمير مفاعلات نووية لأعدائها، في العراق عام 1981، وفي سوريا عام 2007، إلا أن حسابات إيران تختلف تماماً بسبب ترسانة “حزب الله” على حدودها الشمالية عبر جنوب لبنان وسوريا، وهو ما لمّحت إليه طهران أكثر من مرة.
وبالتالي فإن أي عملية عسكرية لا يمكن أن تكون خاطفة ومحدودة، ويمكن أن تتطور إلى حرب شاملة، وهو ما تعيه واشنطن حتى وإن قالت بأن هناك خيارات أخرى للتعامل مع طهران، وأنها لن تسمح لها بامتلاك سلاح نووي. لكن السؤال الأهم يبقى هنا: هل الضربة العسكرية يمكن أن تمنع إيران من أن تصبح نووية؟ وهل المشكلة هي في السلاح النووي أصلاً أم في النظام؟
إذا ما أخذنا نماذج الدول النووية في العالم، نجد أن هناك ثلاثة تصنيفات لهذه الدول:
التصنيف الأول ويشمل الدول الغربية التي تمتلك سلاحاً نووياً سلمياً مضبوطاً ومحدد الأهداف والاستعمالات، كالدول الأوروبية وغيرها.
التصنيف الثاني ويشمل الدول التي تمتلك سلاحاً نووياً غير سلمي كباكستان والهند وغيرها، والتي أيضاً تستخدمه استخداماً عقلانياً يراعي الأصول السياسية والدبلوماسية.
أما التصنيف الثالث فيضم الدول التي تمتلك سلاحاً نووياً غير سلمي، واستخدامه خاضع لسلطة رأس النظام الشمولي الذي لا يراعي الأصول الدولية والسياسية والدبلوماسية، كحالة إيران وكوريا الشمالية.
وبالتالي فإن امتلاك التكنولوجيا النووية بحد ذاته، لا يشكل معضلة دولية. بل المعضلة تنشأ من احتمالين تاليين لتلك المسألة: أولاً، هل تستخدم هذه التكنولوجيا لأغراض غير سلمية؟ وثانياً، بقرار من أي نظام أو شخص، يمكن أن يتم هذا الاستخدام؟
هكذا يبدو أنه حتى السلاح النووي بحد ذاته ليس القضية، بل القضية هي بالنظام الذي يمتلك السلاح وبالأطر والقوانين والروادع الأخلاقية والقانونية والإنسانية التي تحكمه، والتي في حالة النظام الإيراني لا تعترف بالقانون الدولي، وتعتبر أي خارج عن نظام ولائها ليس إنساناً كاملاً، لا بل تسقط عنه صفة الإنسانية ويجوز قتله بل إبادته.
المشكلة إذاً في النظام والأهداف وليست في الوسيلة أي النووي، ومن هنا أي معالجات أخرى ستدخل المنطقة في حرب استنزاف لا طائل منها.
هذه المشكلة تطرح السؤال الأساسي: كيف لإسرائيل أو الولايات المتحدة القدرة على إحداث تغيير في سلوكيات هذا النظام أو حتى إحداث انقلاب على هذا النظام؟
وهو السؤال الذي لن تستطيع الحرب الخفية الإسرائيلية الإجابة عنه، ولا العقوبات الأميركية، بل الدروس التاريخية من الحرب الخفية الحقيقية والتي تجسدها أمثلة كثيرة عبر التاريخ.
هذه الحرب التي تخبطت الإدارات الأميركية الماضية في طريقة إدارتها بسبب وجود مسارين في التعاطي مع الملف الإيراني، الأول يقول باستمالة إيران وفصلها عن الصين لتجريدها من حلفائها، وهو التوجه الذي جسده الرئيسان الأمريكيان أوباما وبايدن نوعاً ما، أما التوجه الثاني فيتمثل بتطويع إيران وتغيير سلوكها والذي يؤدي أيضاً إلى فصلها عن الصين، وهو التوجه الذي جسده الرئيس دونالد ترامب إلى حد ما.
وفي الحالتين الوجهة الأمريكية الأساسية هي الصين وتحديات المحيطين الهندي والهادئ، ومن هنا تعالت الأصوات والتحليلات القائلة إن الاتفاق النووي بصيغته الحالية اليوم يخدم الصين قبل أي طرف آخر بسبب عمق الشراكة والاستثمار الاستراتيجي والاقتصادي الصيني في إيران.
في الخلاصة، اتفاق نووي مع إيران لحل جزء من أزمة طاقة أوروبا لن يمنع امتلاكها سلاحاً نووياً، وضربة عسكرية خاطفة لن تمنع امتلاكها سلاحاً نووياً، وحتى الحرب الشاملة ستؤدي إلى مزيد من خراب العالم بحروب غير محسومة ومحسوبة العواقب والنهاية، ولن تمنع امتلاكها سلاحاً نووياً أيضاً، وبالتالي فإن كل المعالجات المطروحة هي معالجات تؤخر ولا تمنع. المعالجة الحقيقية هي المعالجة الجذرية، فمن سيديرها ومن سينفذها؟