بقلم: يوسف مكي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- على الرغم من التفاؤل الغربي المحدود، الذي نتج عن النكسة العسكرية الروسية، في إقليم خاركيف، لكن القلق لا يزال سيد الموقف، جراء تصاعد الحرب العالمية الاقتصادية، الدائرة بين الولايات المتحدة وحلفائها، والاتحاد الروسي، نتيجة للعملية الروسية، التي أطلقت قبل ستة أشهر، والتي يتوقع أن تتسبب بشتاء قارس في القارة الأوروبية.
روسيا، من جهتها، على لسان عدد من مسؤوليها، من ضمنهم الرئيس بوتين، قللت من أثر النكسة العسكرية، التي حدثت مؤخراً، بالجبهة الجنوبية الشرقية، وأرجعت أسبابها إلى تخفيف العمليات العسكرية، بتوجيه من القيادة الروسية، خشية تصاعد الخسائر في أوساط المدنيين، وأن المرحلة القادمة ستشهد أحداثاً متسارعة، لصالح إلحاق الهزيمة بالغريم الأوكراني.
وفي خطابه أمام منظمة شنهغاي، أكد بوتين، أن استمرار الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، لن يغير من الأمر شيئاً، وأن الحرب ستتواصل، لحين تحقيق كامل أهدافها. إن جل ما يستطيع الغرب تحقيقه، هو إطالة أمد الحرب من خلال الاستمرار في تقديم الدعم العسكري للحكومة الأوكرانية.
أزمة نقص الغار في أوروبا، آخذة في التصاعد، مع اقتراب الشتاء، على الرغم من أن الكثير من الدول الأوروبية، قررت الاستسلام للشروط الروسية، وقبلت التعامل بالروبل، في مشترياتها من الطاقة الروسية. بل إن بعضها زاد مؤخراً من مشترياته منها. فعلى سبيل المثال، ووفقاً للبيانات التي نشرتها شركة الطاقة الإسبانية (إينا غاز) في 12 من سبتمبر/ أيلول، زادت صادرات إسبانيا، من الغاز الروسي، 100% مع تراجع الواردات الجزائرية بسبب التوترات السياسية بين البلدين.
وفي فرنسا، لم يتمكن الرئيس ماكرون، من التوصل إلى حل مع الحكومة الجزائرية، يؤمن من خلاله غياب الطاقة الروسية. ويعود الفشل الفرنسي، في تأمين الغاز من الجزائر، إلى أن الأخيرة، ملتزمة باتفاقات مسبقة مع دول أوروبية، وبشكل خاص مع إيطاليا، المتصلة بالجزائر عبر خطوط أنابيب الغاز، ما يعني أن الجزائر بمفردها ليس بمقدورها أن تعوض عن النقص في الواردات من الغاز الروسي للقارة الأوروبية.
ألمانيا، وفي خطوة تصعيدية غير مسبوقة مع الحكومة الروسية، وضعت يدها على نشاطات مجموعة «روسنفت» النفطية الروسية في بلادها، والتي تدير الكثير من المصافي، تحت ذريعة ضمان إمدادات الطاقة الوطنية
روسيا الاتحادية، ترد على تحديات العقوبات الاقتصادية الغربية، بالاتجاه بقوة نحو الصين الشعبية. فوفقاً لمحطة «سكاي نيوز»، صرح وزير الطاقة الروسي، أن بلاده ستوقع مع الصين، اتفاقاً لتصدير خمسين مليار مكعب من الغاز سنوياً، عبر خط أنابيب «قوة سيبيريا2»، ليكون هذا الخط البديل عن نورد “ستريم2″، الذي كان مخصصاً لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
من جانب آخر، يعزز البلدان: روسيا الاتحادية والصين الشعبية، من تحالفاتهما في كافة المجالات، ويتضامنان معاً في الأزمات السياسية التي تواجه كل منهما. ففي تحدٍ واضح لإدارة الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، قال الرئيس بوتين، أمام نظيره الصيني، شي جين بنغ، الخميس الماضي، إن موسكو تؤيد سياسة “صين واحدة” وتعارض استفزازات واشنطن في مضيق تايوان، وأن بلاده تقدر موقف الصين المتوازن، في شأن أوكرانيا. أما نظيره الصيني، فأكد أن الصين تسعى للعمل مع روسيا، على اعتبار أن البلدين من القوى العظمى. ومن جهته، ندد بوتين بالمحاولات الغربية، الهادفة إلى إقامة عالم أحادي القطب، مؤكداً أهمية قيام عالم متعدد الأقطاب، وأن ذلك أمر لا مفر منه، سواء قبل الغرب ذلك، أم لم يقبل به.
يبدو أن المحاولات التي بذلت خلال الشهور الماضية، من قبل الأوروبيين، لمواجهة الشتاء القارس، بالحفاظ على مخزون استراتيجي من الغاز، باءت بالفشل. دليل ذلك هو اعتراف معظم الدول الأوروبية، بعجزها عن مقابلة حاجتها منه خلال أشهر الشتاء القادم.
يقابل ذلك انخفاض حاد في مصادر الطاقة الأمريكية؛ حيث أظهرت بيانات وزارة الطاقة، أن مخزونات النفط الخام، من احتياطات الطوارئ للولايات المتحدة، هبطت في الأسبوع الماضي، بمقدار 8.4 مليون برميل خلال أسبوع واحد، وأن الاحتياطي، انخفض خلال هذا الشهر، حتى منتصفه (434 مليون برميل)، وهو أقل مستوى منذ نحو 38 عاماً. إن ذلك يعني، أن إدارة بايدن، التي قادت معركة فرض الحصار الاقتصادي على روسيا، باتت هي الأخرى، تعيش المعضلة التي يعانيها الأوروبيون، وأن حلفاءها ليس بمقدورهم الاعتماد على دعمها في الحرب الاقتصادية الدائرة ضد روسيا.
وإذا كان هذا الواقع هو حال الدول الصناعية، فكيف سيكون حال الدول الفقيرة، غير القادرة على تلبية احتياجاتها الرئيسية من الغذاء والدواء والسكن ومصادر الطاقة؟