الشرق اليوم- إن الهزائم التي عاشتها القوات الروسية أخيرا في أوكرانيا كشفت نقاط ضعف مهمة في إستراتيجية روسيا ستؤثر سلبا على صورتها الداخلية والخارجية، وسط تحذيرات من أن القادة الروس لن يقبلوا بالظهور في صورة المنهزم.
أجبرت القوات الروسية على الانسحاب من كييف ومن مناطق أخرى بشمال أوكرانيا في أبريل الماضي وكذلك من منطقة دونباس، إلى جانب الانسحاب الأخير من خاركيف شرقا تحت وقع ضربات الجيش الأوكراني، في الوقت الذي كانت السلطات الروسية قد بدأت توزع جوازات سفر روسية وفتحت مدارس تطبق المنهج الروسي في خاركيف.
وقال توماس غراهام المدير السابق للجنة روسيا داخل مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الابن: إن “سمعة روسيا تعرضت لضربة كبيرة”، مضيفا: أن التعثر الروسي في أوكرانيا سيثير تساؤلات حول قدرات موسكو الخاصة ومدى قدرتها على تصدّر المسرح السياسي العالمي كقوة عظمى.
كما أوضح المعارض إيليا بونوماريف أن ما يحدث حاليا على الخطوط الأمامية يؤكد أن الكرملين ليس قادرا على تحقيق انتصارات كبيرة، بل لا يوجد أي سيناريو محتمل لتحقيق أي شيء يمكن تسميته انتصارا، على حد قوله.
أوراق قوة
لا تزال روسيا تحتل حوالي خُمس مساحة أوكرانيا، بما فيها نسبة 7% التي احتلتها عام 2014، كما أنها تواصل قصف المدن ومحطات الطاقة والجسور بالصواريخ، وتحتفظ أيضا بقدرتها على زيادة عدد قواتها المسلحة بشكل كبير من خلال التعبئة الإلزامية، وهي خطوة قد لا تحظى بالشعبية اللازمة، علما أن الكرملين سبق أن أكد أنه لا يتم التفكير في هذه الخطوة.
تمتلك موسكو أيضا ورقة استخدام الأسلحة النووية التكتيكية على الرغم من أن هذا التصعيد الخطير سيكون محفوفا بعواقب لا يمكن التنبؤ بها بالنسبة لروسيا نفسها.
وإن ما تعانيه روسيا في الحرب على أوكرانيا جعل بعض المتخصصين يتحدثون عن أن الصناعة العسكرية الروسية ستدفع ثمنا كبيرا لما يجري وفقا لما به صرح القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا بن هودجز.
وأضاف بن هودجز: أنه عندما دمرت الولايات المتحدة “بسهولة” المعدات العسكرية في حربيْ الخليج بررت موسكو ذلك بضعف تدريب وتنظيم الجيش العراقي، وقال: “الآن لديك أسلحة روسية يشغلها جنود وطيارون وبحارة روس ويتم تدميرها أيضا”.
فإن التصور الجديد لضعف روسيا يعني أنها ستجد نفسها مع عدد أقل من الشركاء والحلفاء الدوليين، في وقت تواجه فيه عقوبات غربية مشددة لا شك أنها تؤثر بشكل تدريجي على اقتصادها.
بالمقابل، فإن الصين تبدو حريصة على عدم تقديم أكثر من الدعم اللفظي لروسيا، فيما تتدفق الأسلحة الغربية المتطورة على أوكرانيا.
وقال مؤسس “مركز أبحاث الصين والعولمة” في بكين وانغ هوياو: إن الأولوية بالنسبة للصين اليوم هي إنهاء الصراع في أوكرانيا -والذي عطل الاقتصاد العالمي- وليس مساعدة روسيا، علما أن بكين سبق أن أعلنت مرارا دعمها سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.
كما أن الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو نفسه هنأ أوكرانيا مؤخرا بعيد استقلالها وتمنى لها “سماء هادئة”.
وبالنسبة للهند التي امتنعت عن انتقاد موسكو بشأن حربها على أوكرانيا، فالأولوية بالنسبة لها الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى قطع الغيار والذخيرة الروسية، إلى جانب ضمان عدم تأييد موسكو الصين الخصم الكبير لها.
في المقابل، تحرص موسكو على الإشادة بصناعتها العسكرية وبأداء جيشها في أوكرانيا، حيث تفاخر بوتين -توضح وول ستريت جورنال- مرارا بالأسلحة الروسية التي مكنت من تحقيق انتصارات كبيرة في جورجيا عام 2008 وفي شبه جزيرة القرم ودونباس عام 2014 وكذلك في سوريا.
شكلت القوة العسكرية مصدرا رئيسيا للشرعية المحلية لنظام بوتين، خاصة بعد انكماش الاقتصاد الذي ازدهر في العقد الأول من حكمه، قبل أن يعيش ركودا بعد 2014.
وتؤكد موسكو أن “العملية الخاصة” في أوكرانيا تسير بدقة وفق الخطط التي رسمت لها، ووصفت “هزيمة خاركيف” بأنها إعادة انتشار مخطط له لتسهيل “تحرير دونباس”.
يحذر متتبعين للملف من أن موسكو لن تقبل أن تظهر ضعيفة منهزمة، علما بأن الحرب لم تنته بعد، وسط دعوات من مقاتلين موالين لروسيا في دونباس للرئيس بوتين بإقالة جنرالاته وتولي قيادة “الحرب المقدسة” بنفسه مثلما فعل القيصر نيقولا الثاني عام 1915 وستالين في 1941، بل إن مؤيدين آخرين دعوا بوتين إلى الإعلان عن تعبئة شاملة للمدنيين لخوض الحرب أو ضرب أوكرانيا بأسلحة نووية تكتيكية.