الرئيسية / مقالات رأي / انتصار أوكرانيا يجعل الحرب الروسية أكثر خطورة

انتصار أوكرانيا يجعل الحرب الروسية أكثر خطورة

بقلم: جيمس ستافريديس – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- استعادت القوات الأوكرانية أكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي خلال الأسبوع الماضي، وهي مساحة أكبر من جميع الأراضي التي ضمتها روسيا خلال احتلالها في الشهور الستة منذ بداية الحرب. وعاد العلم الأوكراني ليرفرف مرة أخرى، وعلى نحو مفاجئ، فوق عديد من المدن والقرى، وتُجبر الهجمات في كل من الشمال الشرقي والجنوب القوات الروسية على التراجع. كما أصبحت الدبابات والشاحنات الروسية المهجورة متناثرة على طول الطرق. هل هذه لحظة محورية في الحرب؟ وما خطوة فلاديمير بوتين التالية؟

على المستوى التكتيكي، النتائج في ساحة المعركة مهمة؛ لكنها ليست نهائية. وفي حين تحرك الأوكرانيون بسرعة إلى هزيمة خاطفة ضد روسيا، فإن الروس يستطيعون ببساطة العودة إلى المواقع الدفاعية، وتعزيز قواتهم، والدفاع عن مكاسبهم في دونباس، والجسر البري الحيوي إلى شبه جزيرة القرم الذي يمر عبر ماريوبول. ومع تحول الروس من الهجوم إلى الدفاع، فإن موقعهم العسكري سوف يصبح أكثر قوة، ففي الاصطلاح العسكري: “الدفاع يعني الهجوم كما لو كان ثلاثة مقابل واحد”.

وعلى الصعيد العملياتي، يُعتبر التقدم في منطقة خاركوف مهماً على نحو مماثل؛ لكنه لم يخلق بعد نقطة تحول حقيقية في الحرب. لقد أظهر الأوكرانيون صفتين حيويتين خلال الهجوم الحالي: الأولى هي القدرة على شن عمليات هجومية على مجموعة متعددة الأقطاب من المحاور، والسيطرة في الوقت نفسه على حركات قتالية كبيرة في الشمال والشرق والجنوب، وهو نفسه ما فشل الروس فيه. كما أظهر الأوكرانيون براعة متميزة في إدارة عمليات الأسلحة المشتركة، ما يعني النجاح في تنسيق عمليات القوات البرية، والمدفعية، والدبابات، والدعم الجوي القريب. ومرة أخرى، كانت الإخفاقات الروسية هنا واضحة للغاية.

ومن الناحية الاستراتيجية والنفسية، فإن احتمالات إعادة الاحتلال سوف تخلف تأثيراً كبيراً على أوكرانيا وحلفائها: أولاً، سوف تسمح لكييف بالمطالبة بطرد روسيا في نهاية المطاف من كل الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وفي حين أن احتمالات التنفيذ الكامل لهذا الهدف الطموح طويلة الأمد، فإن الهدف سيكون أكثر مصداقية في أعقاب هذه العمليات. ومن شأن تلك النجاحات تشجيع أوروبا على مواصلة مسار العقوبات الروسية في مواجهة الركود المحتمل ونقص الطاقة هذا الشتاء. وفي الولايات المتحدة، سوف تعزز ادعاءات إدارة بايدن بشأن استراتيجية ناجحة للغاية في ردع العدوان الروسي.

لكن في روسيا، سوف تقرب هذه الهجمات بوتين أكثر من سلسلة التحركات المضادة الأكثر درامية، وكل هذه الخطوات ستجعل الوضع غير المستقر بالفعل أكثر خطورة.

لا يزال الرئيس الروسي يملك أوراقاً ليلعبها. بعد أن أجبر الآن مفاعل زابوريجيا النووي على الإغلاق البارد (ما أسفر عن تقليص الطاقة الكهربية الأوكرانية بنسبة 20 في المائة) سوف يواصل استخدام هذه التضاريس الاستراتيجية المهمة لشن هجمات ضد القوات الأوكرانية، والدفاع عن التوجهات إلى شبه جزيرة القرم. وربما نشهد مزيداً من الهجمات الرامية إلى تقليص البنية الأساسية الحيوية (الكهرباء، والبنزين، والمياه، والإنترنت). ومن الممكن أن يزيد من جهود القوات الجوية الروسية الرامية إلى مجرد إلقاء القنابل على أوكرانيا، وإضعاف معنويات السكان، كما فعل في سوريا، وتدمير مدينة تلو الأخرى تقريباً.

قد يقرر بوتين أنه قد حان الوقت لاستخدام الأسلحة الكيميائية، (وخصوصاً إذا كان بوسعه أن يخلق سيناريو “الراية الزائفة”، ويلقي باللائمة فيه على الولايات المتحدة وأوكرانيا). إضافة إلى ذلك، يمكنه الانسحاب من الاتفاق الذي يسمح بشحن صادرات الحبوب الذي أُبرم بمنتهى الصعوبة بين روسيا وأوكرانيا مع تركيا والمنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة.

أكبر مشكلات بوتين سوف تكون القوى البشرية اللازمة؛ إذ تشير التقديرات الموثوق بها إلى أن الخسائر التي لحقت به، سواء الوفاة أو الإصابة بجروح خطيرة، قد تجاوزت 80 ألفاً من قواته. وعند نقطة ما قريباً، لا سيما في ضوء التقارير التي تتحدث عن انهيار الروح المعنوية بين الوحدات الروسية في أوكرانيا، قد يضطر بوتين إلى تجنيد مزيد من القوات، تلك الخطوة التي لن تحظى بأي شعبية في روسيا؛ حيث يعتبر وصف الصراع “حرباً” بأنه جريمة.

وعلى الرغم من أنه يحق للأوكرانيين الافتخار بمهاراتهم العملياتية، وعزمهم، وبراعتهم القتالية، فإن نجاحاتهم الأخيرة -من المفارقات- سوف تزيد من إمكانية توسيع نطاق الحرب. وفي الطرف المظلم من هذا الطيف، لا يمكن استبعاد استخدام الأسلحة النووية التكتيكية -وإن كان ذلك مستبعداً للغاية- وربما يدخل حلف “الناتو” في الصراع، مع فرض منطقة الحظر الجوي المحتملة.

إن مهمتنا في الغرب تتلخص في وضع الأسلحة المناسبة بين أيدي الأوكرانيين، حتى يتسنى لهم تحقيق أفضل النتائج على أرض المعركة، وحيازة الموقف الأكثر قوة على مائدة المفاوضات التي ربما لا تزال على بُعد عدة شهور. لكن خطر اتساع رقعة الصراع آخذ في الارتفاع، ومن الواضح أن هناك خريفاً خطيراً للغاية في انتظارنا.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …