الرئيسية / الرئيسية / ستراتيجيكس: القاعدة ما بعد الظواهري.. البناء والمأزق والمستقبل

ستراتيجيكس: القاعدة ما بعد الظواهري.. البناء والمأزق والمستقبل

بقلم: ماهر فرغلي

الشرق اليوم- نشر مركز “ستراتيجيكس” للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، ورقة تقدير موقف، تسعى لاستقراء مآلات تنظيم “القاعدة” ما بعد مقتل زعيمه أيمن الظواهري، من خلال تحليل واقع التنظيم في مستوياته الهيكلية والعملياتية، والأزمات التي يعاني منها، وصولاً إلى مستقبل التنظيم وفروعه واحتمالات التغير في خطاباته الأيديولوجية وشبكة علاقاته ومواقفه الميدانية.

أدناه نص الورقة التحليلية كما ورد في موقع المركز:

مقدمة

فتح مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، المجال واسعاً أمام التكهنات المتعلقة بمستقبل التنظيم، والاستراتيجية المستقبلية لشبكته، وكيف ستبدو أزماته؟ وما هي تلك المظاهر والتحديات والإشكالات التي ستواجهه؟ وقد طال الحديث عن أزمة خلافة الظواهري، ومن هم المرشحون المحتملون لخلافته، وهو ما ستجيب عليه هذه الورقة، في ثلاث أفكار:

الأولى: بناء قاعدة الظواهري وقدراتها.

الثانية: مأزق القاعدة في سنواتها الثلاث الأخيرة.

الثالثة: واقع التنظيم ومستقبله.

يمكن القول إن “القاعدة” وعلى عكس ما يقال عن أفولها؛ تمكنت من إعادة بناء قدراتها القتالية في الأعوام الثلاث التي سبقت مقتل زعيمها الظواهري، حيث وسّعت من شبكة تحالفاتها، وانتقلت من حروب النكاية إلى التمكّن، وقامت بعملية إدماج لفروعها الإقليمية.

وفي المقابل؛ واجه التنظيم بقيادة الظواهري مشكلات عدة؛ جراء فقدانه لجل قياداته والمؤثرين فيه، والخلاف الداخلي حول استراتيجية القتال المعولم والمحلي، وغير ذلك مما سيخلف آثاراً على مستقبل التنظيم.

ولكن في المُحصلة؛ لن يتأثر التنظيم كثيراً بمقتل الظواهري، حيث سيتجاوز ذلك، بتغيير شكله التقليدي، وابتكار أنماط تنظيمية جديدة، وبشكل يدفعنا لتوقع انتهاء القاعدة بحلتها التقليدية وتحولها إلى تنظيم جديد.

بناء قاعدة الظواهري وقدراتها

التفاؤل الحذر بأفول تنظيم “القاعدة” في عهد الظواهري لم يكن دقيقاً نسبياً، فقد تمكّن التنظيم في فترة (2022 – 2019) من الصمود في وجه التهديدات، والعديد من النكسات التي تعرض لها، وثمة من يعتقد أنّ التنظيم نجح في بناء قدراته القتالية، وتوسيع تحالفاته، والانتقال من جهاد “النكاية” إلى “التمكين”، واستطاع دمج فروعه والمجموعات المُرتبطة به، وترسيخ تحولاته الأيديولوجية بالجنوح لمزيد من التشدد والتطرف، وتلك النجاحات تجد دلالاتها فيما يلي:

أولاً: بناء القدرات القتالية

دفع تنظيم “القاعدة” بالجماعات الإرهابية المُرتبطة به، إلى توظيف مواردها وتحالفاتها مع المُقاتلين المحليين، وترتيب مصالحها بالحفاظ على ملاذاتها الآمنة في أجزاء من الصومال وغرب أفريقيا، وجيوباً في ليبيا واليمن، ولوحظ ارتفاع نشاط تلك الجماعات وتطور قدراتها القتالية إبان جائحة كوفيد-19، فوصل عدد عمليات حركة “الشباب المجاهدين” في الصومال إلى ما يقرب من 562 عملية خلال النصف الأول من عام 2021، وفي كينيا نفذت جماعات مرتبطة بتنظيم “القاعدة” ما يقرب من 31 عملية، وفي مالي 35 عملية. وتلك العمليات شهدت استخداماً لأسلحة غير تقليدية، ومُهاجمة لأهداف صعبة وغير مُتوقعة، وأساليب جديدة للتفجير ومواد تفجيرية متنوعة.

وكذا؛ شهدت الفترة ذاتها، طُرق تمويل جديدة، تعتمد برمتها على مناجم الذهب في شمال غانا وتوجو ومالي والنيجر وغيرها، والمطالبات بفدية عن عمليات الاختطاف، كاختطاف الراهبة الأمريكية ذات أل 83 عاماً في بوركينا فاسو بتاريخ 5 أبريل 2022، والتي أعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” مسؤوليتها عنها.

ثانياً: توسّع خارطة التنظيم وتحالفاته

وسّع التنظيم من تواجده في أفريقيا، بعد أن اتجه من شمال مالي؛ جنوباً إلى بوركينافاسو عبر تحالفه مع “جماعة أنصار الإسلام”، ووصولاً إلى النيجر التي اتخذها التنظيم مقراً للتجنيد، بعد تحالفه مع مجموعة عبد الله شيكاو -قبل مقتله-، وهي المجموعة المنشقة عن حركة “بوكو حرام” بعد مبايعتها لـ “داعش”.

وما يُنذر بالخطر، الخطوات الجادة لتنظيم “القاعدة” لبناء هيكله القتالي المُستقل عن حركة طالبان في أفغانستان في الأعوام الثلاثة السابقة، بتحالف قائده في جنوب آسيا، عاصم عمر (قُتل في عملية عسكرية أفغانية مُشتركة)، مع تنظيمات وجماعات مثل “عسكر جنجوي العلمي”، و”جند الله”، و”عسكر الإسلام”، و”جبهة سعد بن أبي وقاص” و”التوحيد والجهاد”، وحركة “أوزبكستان الإسلامية”. وفي الوقت ذاته، احتفظ التنظيم بعلاقات وثيقة بشبكة حقاني؛ وارتبط في باكستان مع مجموعة غول بهادر المتحالفة مع شبكة القائد حقاني، ومجموعتين من قبيلة محسود.

وفي سوريا؛ حافظ تنظيم “القاعدة” على وجود له من خلال جماعة “حراس الدين” التابعة له، ونجح كذلك من البقاء في ليبيا وإمارة الساحل بارتباطاته وجماعة “نصر الإسلام”.

وبالتالي، في عهد الظواهري خطى تنظيم “القاعدة” خطوات تأسيسية كبرى، تمثلت في: متابعة الضغط على الجماعة الأوزبكية وطالبان باكستان لتحويلهما إلى أيديولوجية “السلفية الجهادية”، والحفاظ رغم الحصار على فروع التنظيم في أفريقيا، ومُتابعته عمليات التجنيد والتدريب وخاصة في المناطق القبلية لوزيرستان والتي تضم عدداً من المقاتلين العرب، والتأسيس لجماعات إرهابية محلية في بعض مناطق سوريا ومالي، والتمدد لمحطات جديدة مثل بنين وكوت ديفوار وبوركينا فاسو والاقتراب من مناجم الذهب في السنغال.

ثالثاً: الانتقال من النكاية للتمكّن

نجح التنظيم في الانتقال عملياً من جهاد “النكاية” إلى جهاد “التمكين” ومسك الأرض، وظهر ذلك في أجزاء من سوريا، ومالي، والصومال، حيث اكتفت فروع التنظيم وجماعاته هناك بالنشاط المحلي، دون الحديث عن تدويل عابر للحدود لنشاطاتها.

رابعاً: اعتماد النمط الاندماجي

دمج تنظيم “القاعدة” المجموعات المُرتبطة به أو الموالية له، تحت مظلة قيادة مُشتركة وموحّدة، وضمن هيكل تنظيمي واحد، كبديل عن النمط التقليدي المستند على التماثل الأيديولوجي، والمُستمد من استراتيجية العمل اللامركزي السابق، وأسلوب تنظيم “القاعدة” الجديد يُمكن تسميته بأنه “تنظيمات السلسلة الواحدة”.

والمُلاحظ؛ أنّ اندماج التنظيمات المُتحالفة تحت قيادة تنظيم “القاعدة”، لم يعقبه تخلّي الأولى عن مُسمياتها لصالح التنظيم الأم، ضمن صيغة تمنحها المرونة في الإطار التشغيلي، بالإبقاء على خصوصيتها في الإدارة والقيادة واختيار التكتيكات، فنجد أن تنظيم “أنصار الإسلام” الذي يضم 10 جماعات مُختلفة، يُعلن مسؤوليته عن هجماته باسمه، وحتى تلك الهجمات خارج مسرح عملياته، مثل إقدامه على تبني هجوم الواحات في صحراء مصر الغربية عام 2017.

خامساً: الانتقال لملاذات جديدة

نجح تنظيم “القاعدة” في التمدد إلى ساحات جديدة، من شمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا، لتعويض فقدانه مراكز الدعم والتدريب في أفغانستان، والحاجة لإيجاد مسارح عمليات جديدة تمنحه المرونة التشغيلية الكافية لتمويل عملياته وتنفيذها، وراح يُحقق ذلك بتحالفاته سابقة الذكر، وبأخرى مع جماعات من أمثال “أبو سياف”، و”جبهة تحرير مورو الإسلامية” وغيرها من الجماعات الصغيرة.

المأزق وإشكاليات التنظيم

رغم نجاحات تنظيم “القاعدة” المذكورة سابقاً، إلا أنه في الأعوام الثلاثة الأخيرة من عهد الظواهري كان في مأزق أثّر عليه “جيوسياسياً”، ولجملة من الأسباب أعطى هذا مساحة لجماعة مثل تنظيم “داعش” للتمدد على حسابه، وكان هذا أشبه بعملية تفجير داخلي للانشقاقات داخل التنظيم، ومنها:

أولاً: الاختراقات الأمنية

عانت القاعدة من جملة اختراقات أمنية، أدت إلى اصطياد أغلب قادته الأوائل، ومن دلالات هذا الاختراق اتهام منشقون عن التنظيم في اليمن وهم (أبو عمر النهدي)، (مبارك الحضرمي) بالخيانة، بالإضافة إلى إصدار التنظيم سلسلة “هدم الجاسوسية”، التي تضمنت اعترافات صوتية وبيانات ورقية لمتهمين بالخيانة.

ثانياً: غياب القائد والمؤثرين

عانى تنظيم “القاعدة” من عدم وجود قائد رمزي له كاريزما توازي (ابن لادن)، خاصة أنّ التنظير الفكري للتنظيم من بعده ارتكز على مقولة أنّ أميره ليس ممكّناً وليس له قدسية، هو ما فتح الباب أمام خلافات وانشطارات في المركز وفي الهامش، ولوحظ ذلك في الحديث المتواصل عن (الأمير المسردب)، واتهام الظواهري بعدم الوجود وبفقدانه للسيطرة، وبالتالي فشله في القيادة عن بعد. فضلاً عن مقتل عدد من القادة المؤثرين، مما أدى إلى تراجع التنظيم على مستوى التأثير الدعوي والاستقطابي، أو على المستوى العسكري العملياتي في عمليات القتال المعولم وغياب العمليات الكبيرة.

ومن الناحيتين المعنوية والتنظيمية أثّر مقتل القيادات على التنظيم، حيث ساهم في تقليص مكانته، وإرباك قراراته الإدارية، ودفع الكثيرين من أتباع التنظيم للانشقاق، وانعكس ذلك كله بأن شهد المستوى التنظيمي حالة من التفكك، وأن تفاقمت الصراعات على القيادة، وكان لذلك أثر في تقليل القدرة الهجومية للتنظيم في تنفيذ عمليات وهجمات إرهابية.

ثالثاً: انقسامات متوالية

لأسباب كثيرة تشظّى كيان القاعدة في أكثر من فرع، على سبيل المثال انقسم “شباب الإسلام” في الصومال، وأعلن أكثر من فرع في ليبيا حل نفسه، وتخلّت “هيئة تحرير الشام” رسمياً عن القاعدة، بل وقامت بمحاولات احتواء كبيرة لجماعة “حراس الدين” وقادة موالين للتنظيم.

رابعاً: تحوّل المرجعيات

شهد التنظيم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تحولاً في مرجعياته الفكرية، وبدا أنّ هناك منظّرين غير راضين عن الظواهري، مثل أبو محمد المقدسي، أو أبو بصير الطرطوسي، الذي يتمسك بمشروعه الخاص “للجهاد” المحلي، أو أبو قتادة الفلسطيني بوصفه المرجعية الداعمة لفك الارتباط بين “هيئة تحرير الشام” والتنظيم.

خامساً: اختلال فقه التنظيم الاستراتيجي

لم يعد للقاعدة خلال الأعوام الثلاث الأخيرة نزوع واضح إلى فقه استراتيجي بعينه، خاصة فيما يتعلق بأولويات القتال بين “محلية” و”عالمية”، وهذه الإشكالية ظهرت في السنوات الأخيرة من قيادة الظواهري، حيث تميل الفروع لإقامة إمارات محلية، فيما يُنادي قدماء المنظرين في التنظيم بالسير على نفس الاستراتيجية التي وضعها ابن لادن، وهي الشبكة المعولمة. ولذلك نجد التنظيم اليوم يُمارس نشاطاته في منطقة رمادية بين قتال “العدو القريب” و”العدو البعيد”.

ولتفادي مخاطر الانشقاقات الداخلية، ظهر في الفكر التنظيمي “للقاعدة” نمطين للعلاقة التي تحكم التنظيم الأم بالفروع وهي كالآتي:

استراتيجية “السلسلة الواحدة”: والتي توضح طبيعة علاقة التنظيم بالفروع والجماعات الموالية له بناء على ثلاث مستويات، فهي إما حليفة (متحالفة مع التنظيم فقط)، أو شريكة (متشاركة معه في الأهداف) أو متماهية (تقع في صلب النواة للتنظيم).

استراتيجية “استرضاء المجتمع”: عبر ما يسمّى تكوين الجبهات والتحالفات الداخلية، وهي أفكار يؤمن بها عدد كبير من قيادات القاعدة الآن، في مقابل من يؤمنون بـ “المظلة القاعدية المعولمة” مثل جماعة “حرّاس الدّين” التي عملت على بناء أيديولوجية خاصة بها في الشّمال السوري، قائمة على التمدّد باتجاه العراق، وإعادة نفوذ المتطرفين المرتبطين بـ “القاعدة” إلى مناطق بلاد الشّام بشكلٍ عام.

سادساً: علاقة التبعية لطالبان

شكّلت بيعات الظواهري المتتالية لزعماء طالبان مشكلة كبيرة لتنظيم “القاعدة”، الذي واجه إشكالية عقدية تتعلق بالتبعية لطالبان، وأخرى سياسية تتعلق بأنه أصبح رهينة للحركة، التي كانت تتفاوض مع أمريكا والغرب من أجل انسحاب قواتها من أفغانستان، وأخرى من أجل الاعتراف بحكمها لأفغانستان، لذا أصدر الظواهري رسالة مطولة أسماها “أجوبة على سؤال بيعة إمارة طالبان الإسلامية” وقد تمّ توزيعها على بعض قيادات القاعدة، بيّن فيها موقفه من البيعة وأنها جاءت لحماية التنظيم وما إلى ذلك، وأخذ يسرد الذرائع في الموضوع، وأنه لا يسعى لإقامة إمارة إسلامية، وإنما يركّز على أيديولوجية القاعدة القائمة على النكاية بالعدو (البعيد)”.

سابعاً: التمدد الداعشي

ازدادت حدة التنافس بين “داعش” و”القاعدة” حول السيطرة المكانية، وانعكس أثر ذلك على التنظيم الحركي، والتجنيدي الاستقطابي، وفي الفضاء الإلكتروني، وعلى الأرض في معارك تقع أحياناً بين التنظيمين في مناطق كثيرة منها اليمن وسوريا، والصومال، وأفغانستان، ومالي.

مستقبل ما بعد الظواهري

ما بين محاولة بناء القدرات والتطورات، ثم تلك العقبات والإشكالات وما أصبح عليه تنظيم “القاعدة”، تضاعفت أزمة التنظيم بفقدانه زعيمه التاريخي أيمن الظواهري، وهو ما يطرح أسئلة المستقبل، الذي سيتم تحديد أجوبته وفق ما يلي:

أولاً: من يخلف الظواهري

لا تنتهي التنظيمات الإرهابية بموت زعمائها، وإن كان لذلك تأثير كبير عليها، لذا فلا يرجح أبداً انتهاء القاعدة بموت الظواهري، إضافة أنه لن يكون هناك صعوبة في عملية الاستخلاف كما توقع الكثيرون، إذ إنّ هذه التنظيمات ترتب أوضاعها مستقبلياً، وتضع ترتيبات مسبقة للخلفاء المحتملين، وإن كان ذلك سيؤثر على انخفاض معنويات العناصر، والاستقطاب والتحالفات، وتأثيرات متعددة أخرى أهمها:

1- نقل مقر القيادة اللامركزية من “جنوب آسيا إلى سوريا”، أو إلى أي فرع آخر.

2- سيؤثر اختيار القائد الجديد على طريقة إدارته وسيطرته وتأثير ذلك على باقي الفروع، ومدى الرضا عن قراراته الجديدة.

ثانياً: وضع القاعدة في أفغانستان

سيؤثر مقتل الظواهري ومن يخلفه على وضع التنظيم في أفغانستان، بل في شبه القارة الهندية، إذ أنّ القائد السابق كان يمتاز بعلاقاته الكبيرة بقيادة طالبان، بالأخص مجموعة حقاني، وعقب مقتله وتوجيه الاتهامات بالتنسيق الاستخباراتي بين الحركة وأمريكا، ونفي الحركة لذلك، فسوف يؤثر ذلك على تموضع التنظيم في شبه القارة، وعلى الضغوط لمطاردته، إلا إذا استمر عدم الاعتراف الدولي بطالبان، “فمن المُتوقع أن يواجه تنظيم القاعدة في أفغانستان، تحديات كبيرة؛ لأنّ حركة طالبان سوف تحرص خلال الفترة القادمة على مواجهة أي أنشطة قد يخطط لها من داخل أراضيها؛ سعياً منها لتحسين صورتها، خصوصاً في ظل ما تعانيه الحركة من ضغوط اقتصادية، تستجدي معها مساعدة الدول الأخرى التي تشترط ابتعادها عن مساعدة التنظيمات الإرهابية”.

ثالثاً: إعادة تموضع التنظيرات الأيديولوجية

من المعروف أنّ الظواهري والمحيطين به كانوا لا يؤمنون بتكفير أعوان الحكام، أو تنزيل أحكام ديار الكفر على قاطنيها، وإن كان يعتقد بجواز قتلهم، إلا أنّ هناك نسخ من القاعدة متطرفة في هذه المسائل، وهنا سيكون تموضع هذه الأدلجة على المحك، حال تولي قائد مختلف عن الظواهري، يتبنى النمط “الداعشي” في العمليات، في مقابل تغيرات محدودة في العقيدة الفكرية فيما يتعلق بأولويات القتال.

رابعاً: مستقبل فروع التنظيم

سيكون لفروع التنظيم دور كبير لما بعد الظواهري، وهذا سيعود لمدى سيطرة القائد الجديد، وطريقة إدارته، وهل سيتمكن من مكافحة عمليات الاختراق الأمني، التي تعد من أخطر التحديات التي واجهها تنظيم القاعدة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وهل سيتوقف سقوط العديد من قيادات التنظيم، وهل سيكون للقائد الجديد كاريزما يمكن أن تجتمع عليه أفرع التنظيم، وهل سيتغير شكل القاعدة التقليدي، وتظهر أنماط جديدة من التنظيمات، أي انتهاء شكل تنظيم القاعدة المعروف إلى تنظيم جديد، أو شبكة مختلفة تماماً عن قاعدة ابن لادن والظواهري المعتادة؟، وقد رأينا ذلك في أواخر عهد الظواهري من ظهور تنظيمات في سوريا مثل: “جيش الملاحم”، و”جيش الساحل”، و”جيش البادية”، و”سرية كابل”، و”جند الشريعة”، وكلهم يؤمنون بعولمة ما يسمّى بالعمليات الجهادية.

الخلاصة والنتائج

رغم فقد القاعدة لقائد تاريخي وهو أيمن الظواهري في ظروف غامضة إلى حدٍ ما، إلا أن وقائع كثيرة ستسمح للتنظيم بالاستمرار، ومنها:

1- الصراعات المتداخلة في مناطق كثيرة يتواجد بها التنظيم، مثل اليمن، أفغانستان، مالي وغيرها، حيث نجد عرقيات متنوعة، والخطوط الفاصلة بين الجماعات الموجودة متداخلة بشكلٍ كبيرٍ وغير واضحة، إضافة إلى التحولات المستمرة في الوضع الأمني ​​والسياسي، وديناميات الصراع التي تتضمن منافسات قديمة تتسم بالعنف في أغلب الأحيان، وعمليات اتجار وأنشطة دفاع عن النفس.

2- الخارطة الإرهابية المعقّدة، ووجود عدد من الكتائب المختلفة التوجهات والمتعددة الولاءات، إما لأسباب عرقية قومية، أو لأسباب عقدية دينية، ما سيتيح للقاعدة الاستقطاب والتحالف والاستمرار.

3- ضعف المواجهة الفكرية مع القاعدة، إضافة إلى لبعض الجهات السياسية الفاعلة، التي تزيد الأمر تعقيداً، وتعطي للقاعدة فرصة غير مسبوقة بإشعالها للصراع الطائفي والديني.

4- هشاشة بعض المناطق من العالم وارتفاع معدلات الفقر، ما يؤدي إلى مزيد من نقاط الضعف في كل مفاصل الدولة والمجتمع، ويساهم بشكل عام في استمرار وجود “القاعدة”، مثل بحيرة تشاد، وفي دول الساحل والصحراء، حيث يتمتع تنظيم القاعدة بقدرة تكيفية ملحوظة و”مرونة أيديولوجية” كبيرة وبراعة في فن استغلال “أوجه القصور” لدى هذه الدول.

من هنا لن يؤثر مقتل الظواهري كثيراً على التنظيم، فهذه التنظيمات لديها تراتبية إدارية تسمح لها باستبدال القيادات بسلاسة، بل وتكون في استعداد دائم لفقدان قياداتها.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …