الشرق اليوم- انتشرت الأسئلة الملحة في بريطانيا بعد أن تولى الملك تشارلز الحكم؛ فأي نوع من الملوك سيكون؟ هل سيكون ملكا متدخلا، أم شخصا يغير الفهم الأساسي لما يعنيه الحاكم الحديث، كما قالت؟
إن تشارلز يدرك تماما البروتوكول، ولكنه ربما لن يتخلى عن القضايا القريبة من قلبه.
الغالبية العظمى من البريطانيين لم تعرف سوى صاحب سيادة واحدة، فقد أصبح أسلوب الملكة ونهجها العام في الاضطلاع بمسؤولياتها راسخا جدا في الوعي القومي، لدرجة أن هذا الأسلوب وهذا النهج أصبحا لكثيرين منهم مرادفين لما يعنيه “الملك”.
وإن مشكلة تشارلز هي أن الجميع يعرفونه جيدا، وكانت لديهم آراء حوله، وكل ما سيفعله في الأشهر والسنوات المقبلة لا يمكن رؤيته إلا من منظور الصورة المكونة عنه.
نظام ملكي أكثر بساطة
فإن تشارلز سيرغب بلا شك في وضع بصمته الخاصة على النظام الملكي الذي يعتقد أنه يجب أن يكون أكثر بساطة، وأوردت كثيرا من التفاصيل حول بروتوكول الشرف والتشريفات ومقر الملك وغير ذلك من الأمور الشكلية.
ووفقا لأكثر من كاتب سيرة، سيكون تشارلز ملكا “ناشطا”، مستخدما منصبه لمواصلة حملته على القضايا التي يهتم بها، ربما ليس بشكل صاخب كما كان من قبل، ولكن بالتفاني نفسه، ومع “أسير” على شكل رئيس وزراء.
وقالت الكاتبة كاثرين ماير: إن تشارلز سيدخل تحسينات كثيرة على النظام، فهو رجل لديه رسالة، وأهدافه الشاملة هي إنقاذ الكوكب وإنقاذ النظام الملكي.
وإن مثل هذه التوقعات كانت موضوعا ثابتا في السنوات الأخيرة. فصحيفة “غارديان” (Guardian) نقلت عن مصدر مقرب عام 2014 من تشارلز قوله: إن الأمير “سيستمر في تدخلاته القلبية” بعد أن يصبح ملكا.
تحول زلزالي
وفي عام 2008 قال كاتب سيرته الذاتية جوناثان ديمبلبي: “هناك الآن تحركات سرية على قدم وساق من أجل تحديد الدور المستقبلي للملك، بحيث يسمح لتشارلز بالتحدث علنا بشأن المسائل ذات الأهمية الوطنية والدولية بطرق لا يمكن تصورها في الوقت الحالي”.
وكتب ديمبلبي أن ذلك سيكون خرقا لما أصبح راسخا من أن آراء الملك يسمعها على انفراد فقط رئيس الوزراء والمجلس الخاص، وسيكون تحولا زلزاليا في دور الملك، مضيفا: أن مثل هذا التغيير من المحتمل أن يفجر الأوضاع على الصعيدين الدستوري والسياسي.
وقال روبرت بلاكبيرن أستاذ القانون الدستوري في كينغز كوليدج لندن: “سيُطلب منه إخضاع آرائه الخاصة لواجباته العامة. فضلا عن ذلك، يجب عليه قمع آرائه الشخصية والتعبير عنها فقط بسلامة تقديرية مطلقة، حتى يبقى الجمهور غير مدرك لمشاعره الشخصية والحقيقية”.
غير قادر على كبت آرائه
ومن وجهة نظر بعض منتقدي تشارلز، أنه ببساطة غير قادر على كبت آرائه، وحتى لو استطاع، فقد فات الوقت، لأن آراءه حول مواضيع تشمل هندسة العمارة والزراعة والبيئة والطب والتعليم وحقوق الإنسان؛ أصبحت معروفة.
وفي مقابلة تلفزيونية بمناسبة عيد ميلاده الـ70 في عام 2018، بذل تشارلز قصارى جهده لإزاحة مثل هذه المخاوف، ووعد بأنه لن يكون ملكا “متدخلا”، وقال: إن دوره بوصفه أميرا لويلز مختلف تماما عن منصبه بوصفه ملكا.
“لستُ غبيا”
وردا على سؤال عما إذا كانت نشاطاته ستستمر، قال لـ”بي بي سي” (BBC) “لا، لن يحدث ذلك، أنا لست بهذا الغباء. إنني أدرك بالفعل أنها ممارسة منفصلة للسيادة، لذلك بالطبع أفهم تماما كيف يجب أن يكون ذلك”. ووفقا لمصدر يعرفه منذ سنوات، قال إن تشارلز يشعر بالانزعاج والإحباط الدائمين جراء اعتقاده أن الشعب يراه لا يفهم أن وظيفة رئيس الدولة تختلف تماما عن وظائفه الأخرى.
وجادل مستشارو تشارلز بأنه على دراية كبيرة بالدستور وحساس للغاية لمتطلبات دوره، ولا يمكنه فعل أي شيء من شأنه أن يسبب مشاكل دستورية، وقال أحدهم “إنه رجل عاطفي ومنطلق، لكنه يتمتع باحترام وفهم عميقين للدستور ودور المؤسسة الملكية في الحياة الوطنية، لن يفعل أي شيء من شأنه أن يهدد الصرح”.
وعندما نشرت صحيفة “الغارديان” رسائله إلى الحكومة “مذكرات العنكبوت الأسود”، انكشفت طريقة ضغطه على الوزراء بشأن مواضيع مثل حرب العراق والعلاجات البديلة، فضلا عن مصير سمكة باتاغونيا.
رغم شغفه
ومع ذلك، في حين كشفت الرسائل عن مجموعة واسعة من الأمور التي يشعر بشغف حيالها، وفهمه المفصل للسياسة، لم يكن هناك خطاب يبدو أنه قد ابتعد فيه عن الامتثال لمعايير السلوك أو الأخلاق المقبولة تقليديا.
ويعتقد كاتب السيرة الملكية هوغو فيكرز أن تشارلز سيظهر في دور شخص مختلفا عنه في دور ملك، على الرغم من صعوبة التنبؤ بكيفية ظهور ذلك؛ “إنه رجل مثقف جدا، إذا كنت أنصحه، فبالذهاب إلى الجانب الثقافي، للاستمتاع بتراث محيطه والترحيب بالناس. إذا كان يستمتع بالناس، فبدلا من إقامة حفلات الاستقبال تلك، قد يقيم حدثا ثقافيا كبيرا، قد يكون الأمر ممتعا إلى حد ما. إنه ليس منبوذا، إنه يحب القيام بالأشياء بأسلوب معين وثقة بالنفس”.
وقبل كل شيء، يقول التقرير إن تشارلز يعلم أن عهده يجب أن يعكس حقيقة أن بريطانيا اليوم هي بلد مختلف جذريا عن بريطانيا عام 1952، فقد أوضح أنه يعتقد أنه لم تعد الافتراضات القديمة حول النظام الملكي والدين من المسلمات. فعلى الرغم من أن لديه إيمانا مسيحيا عميقا وصادقا، ويحضر الكنيسة، حرفيا، كل أسبوع، حتى عندما يكون في الخارج، فقد أمضى حياته في استكشاف أديان أخرى مثل الهندوسية والبوذية، وخاصة الإسلام الذي يشعر بعلاقة خاصة به.
آراؤه راديكالية حول الدين والتدين
وكان تشارلز قد عرض وجهات نظره للعلاقة بين الملك الذي هو بالطبع الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا، والمعتقدات الدينية للأشخاص الذين يخدمهم. فقد ظل يدافع عن التدين والإيمان للجميع، وليس عن دين واحد بعينه، وكان يقول إن الناس ظلوا يقاتلون حتى الموت بسبب هذه الأشياء، “التي تبدو لي مضيعة غريبة لطاقة الناس، في حين أننا جميعا نهدف بالفعل إلى الهدف النهائي نفسه، على ما أعتقد”.
بالطبع أثارت ملاحظاته هذه موجات من الصدمة عبر التسلسل الهرمي الأنجليكاني، وأدت إلى مخاوف من أنه قد يدعو إلى تغيير مكانة كنيسة إنجلترا. وكانت مثل هذه المخاوف واسعة النطاق، لأن تشارلز يؤمن بشدة بوجهة النظر القائلة إن تغيير مكانة الكنيسة ليس من اختصاص الحاكم وإنما للكنيسة نفسها أن تقرر ذلك.
هل يوافق على قسم التتويج الحالي؟
ومع ذلك، ليس هناك شك في أن موقفه الشامل من الدين سيكون له تأثير على حكمه. ويكاد يكون من المؤكد أن حفل التتويج سيكون مناسبة مختلفة تماما عن تلك التي كانت في عام 1953، ومن الصعب الآن معرفة إذا كان قسم التتويج الذي يفرض على الحاكم الجديد أن يقسم رسميا “بالمحافظة على استقرار كنيسة إنجلترا، والعقيدة، والعبادة، والانضباط، والإدارة الخاصة بها، وفقا للقانون المعمول به في إنجلترا من دون تغيير”؛ سيبقى كذلك بحلول الوقت الذي يأتي فيه تشارلز لنطقه.
وكانت هناك أيضا مزاعم في الماضي بأن تشارلز يريد إقامة حفل متعدد الأديان، على الرغم من التقليل من شأنها في السنوات الأخيرة.
وتختم الصحيفة تقريرها بالقول إن ما سيحدث في التتويج من تغيير ناعم للتقاليد، أو إصلاح أكثر جوهرية؛ سيعطي فكرة عن السؤال الأوسع حول كيف سيكون حكم الملك: ثورة ملكية، أم تطورا لطيفا؟ لن يمر وقت طويل قبل أن نبدأ في اكتشاف ذلك.