بقلم: برادلي بومان وسينان سيدي
الشرق اليوم- تتصرف تركيا مجدداً وكأنها ليست حليفة للناتو، مع أنها جزء منه، هذا التصرف ليس جديداً من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن تبدو التحركات التركية في الأسبوعين الأخيرين مقلقة على نحو خاص.
لا تزال تركيا، حتى كتابة هذه السطور، واحدة من أطراف قليلة لم تصادق على انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، وصوّت مجلس الشيوخ الأميركي على ضم البلدين الشماليَين، لكن أبطأ أردوغان هذه العملية لتسجيل نقاط سياسية محلية قبيل الانتخابات.
منذ أسبوع، ذكرت التقارير أن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اقترح أن تتخلى أنقرة عن طلب الطائرات الأمريكية المقاتلة الجديدة “إف16″، إذا كان اقتناؤها مرادفاً لإلزام تركيا بعدم استعمال تلك الطائرات “للتحليق فوق اليونان بطريقة غير شرعية”، وهو شرط أساسي للكونغرس، فمن غير المنطقي أصلاً أن يُطلَب من إحدى دول الحلف الامتناع عن تنفيذ هذا النوع من العدوان ضد حليف آخر في الناتو.
كذلك دعا نائب وزير الخزانة الأمريكي، والي أدييمو، نظيره التركي، يوم الجمعة الماضي، إلى مناقشة العلاقات الاقتصادية التركية مع روسيا والتكلم عن نزعة موسكو إلى استغلال تركيا للتهرب من العقوبات.
لكن يأتي التطور الأكثر إثارة للقلق من وكالة الأنباء الروسية الحكومية “تاس”، فقد ذكرت في 16 أغسطس أن روسيا وتركيا وقّعتا على “عقد لتسليم دفعة ثانية من نظام الصواريخ أرض–جو (إس400) إلى تركيا”، وقد نُسِب هذا الادعاء إلى رئيس الجهاز الفدرالي للتعاون العسكري التقني، ديمتري شوغاييف.
حذرت واشنطن مراراً من عواقب شراء النظام الصاروخي الروسي “إس400” واحتمال طرد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة “إف35″، لأن تقاسم مواقع النظامَين قد يسمح لموسكو باكتساب معلومات استخبارية قيّمة لرصد طائرات “إف35” وإسقاطها، ومع ذلك، قررت تركيا المضي قدماً لشراء نظام “إس400″، فاضطرت الولايات المتحدة لإخراج تركيا من برنامجها في عام 2019، قبل شراء الطائرات.
لكن لا تقف العواقب العسكرية للصفقة التي أبرمتها أنقرة عند هذا الحد للأسف، ولا يمكن دمج نظام “إس400” مع أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي الخاصة بالناتو، مما يعني أن صفقة تركيا أضعفت جهود الحلف الرامية إلى تعزيز دفاعاته الجوية والصاروخية على طول جناحه الشرقي، علماً أن هذا المشروع اكتسب أهمية مستجدة بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
لتخفيف التحديات المطروحة وتقوية قدرات المعدات الجديدة بعد نشرها، يتوق البنتاغون إلى ربط “أجهزة الاستشعار وإطلاق النار” في الأنظمة الأمريكية الجوية والصاروخية بتلك التي يملكها الحلفاء والشركاء بهدف تحسين استكشاف المواقع وتقوية أجهزة الاعتراض. لكن بدل المشاركة في تصميم هذه الهندسة، يؤدي إصرار تركيا على شراء نظام “إس400″، ماضياً أو مستقبلاً، إلى إضعاف جهود التكامل وطرح مشاكل إضافية قد تُضعِف مستوى الردع وتصبّ في مصلحة موسكو، حتى أن هذه الخطوة قد تُوسّع الشرخ بين أعضاء الناتو خلال أي صراع مستقبلي.
هذا الوضع قد يفسّر السبب الذي يدفع بوتين إلى بيع نظام “إس400” في الخارج، لا سيما إلى البلدان المتحالفة أو المصطفة مع الولايات المتحدة، تسمح هذه العملية بتأجيج التوتر والانقسامات بين واشنطن والبلد الذي يشتري النظام، وتمنح العائدات إلى موسكو، وتقوي قاعدتها الصناعية الدفاعية، وتكبح التعاون الأمني الأمريكي مع البلد المتلقي، وتطرح مجموعة من المشاكل العسكرية على الولايات المتحدة، فليس مفاجئاً إذاً أن تُصِرّ وكالة “تاس” على نشر أنباء حول إقدام تركيا على شراء الدفعة الثانية من أنظمة “إس400”.
في ظل هذه الظروف، كيف يمكن التعامل مع تركيا في المرحلة المقبلة؟ يتوقف الوضع على مكانة أردوغان: هل يمكن اعتباره حالة شاذة في تركيا، أم أنه مؤشر على الوضع الطبيعي المستجد هناك؟ هل ستعود تركيا إلى تبنّي سياسة خارجية أكثر تقليدية تجاه الناتو والولايات المتحدة بعد عهد أردوغان؟ أم أنها تغيّرت بشكلٍ دائم ولن تكون حليفة جديرة بالثقة خلال السنوات المقبلة؟
لا أحد يعرف الجواب حتى الآن، لكننا نعرف أن أي سياسة فاعلة تتوقف على تشخيص الواقع الراهن بدقة، وتشير جميع المعطيات اليوم إلى أن أردوغان يبقى حليفاً مع أنه لا يتصرف كالحلفاء.