بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- الوضع العراقي منذ عام 2003 هو وضع معقد وصعب سياسياً، لكنه الآن في ذروة جديدة من ذروات التعقيد، قد تبدو معها سنوات العقدين الماضيين مجرد تمهيد لمرحلة شديدة الخطورة، خصوصاً مع تبلور فريقين واضحين في الساحة، لا يستطيع أيّ منهما تقديم تنازلات رئيسية وحاسمة للآخر، فمكونات وشخصيات “الإطار التنسيقي” لا تستطيع الانفكاك عن علاقتها العضوية بإيران، أو محاولة احتكارها للساحة الشيعية، وكذلك مصالحها التي رسّختها في مؤسسات الحكم، أو استثمارها في الفصائل المسلحة، وفي الوقت ذاته، فإن التيار الصدري، يمثل شريحة واسعة من الشيعة، في بلد يحكمه دستور محاصصة، إثني وديني ومذهبي، وله موقف من هوية العراق، وعلاقاته في الإقليم، يتناقض مع موقف “الإطار التنسيقي”، وكذلك موقف من الفساد الذي وصلت إليه مؤسسات الحكم.
في يونيو/ حزيران الماضي، انسحب النواب الصدريّون من البرلمان، مع أنهم كانوا الكتلة الأكبر (73 نائباً)، لكنهم لم يتمكنوا من إحراز أي تقدم في العملية السياسية تحت قبة البرلمان، بعد نحو ثمانية أشهر من صدور نتائج الانتخابات، وبدا لهم أن البرلمان أصبح مكاناً لتعطيل العملية السياسية، وليس لحل عقدها، وتذليل عقباتها، وتلت ذلك، عملية تصعيد من قبل التيار الصدري، وصلت إلى الشارع، والمنطقة الخضراء، وإلى صدام مباشر مؤخراً، نجم عنه قتلى وجرحى من أنصار التيار الصدري، واتخاذ رئيس التيار، مقتدى الصدر، قرار اعتزال العمل السياسي، ما من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً، خصوصاً أن رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي يقوم بتصريف أعمال الحكومة، هدّد هو الآخر بالاستقالة.
الدولة العراقية، في وضعها الراهن، في حالة شبه شلل، فالكتل الأساسية لم تصل إلى الاتفاق على تسمية رئيس وزراء جديد، ولا الاتفاق على رئيس للجمهورية، وانسحاب الكتلة الصدرية من البرلمان جعله بلا أهمية، وعلى الرغم من المشاورات الكثيرة التي جرت خلال الأشهر الماضية، فإن التباينات والمواقف بقيت نفسها، فالتيار الصدري متمسك بحل البرلمان، والدعوة لانتخابات جديدة، بينما تتمسك أحزاب “الإطار التنسيقي” بتعيين رئيس للوزراء، قبل إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وقد دفعت هذه الحالة من الاستعصاء إلى وضع قسم كبير من الممارسة السياسية بيد الأنصار والموالين، أي في يد الشارع، في الوقت الذي تمتلك فيه معظم الأحزاب السلاح، بما فيه السلاح الثقيل، ولديها خبرات قتالية، راكمتها عبر السنوات والمعارك.
إن واحدة من مشكلات وأزمات العراق ما بعد عام 2003، هي عدم قدرة الدولة العراقية على احتكار السلاح، فقد أصبح العراق من بين أكثر الدول التي يوجد فيها السلاح خارج إطار المؤسسة العسكرية الرسمية، أو القوى الأمنية، كما أن أوضاع العراق والإقليم، سمحت بنشوء فصائل عسكرية موازية للدولة، لها تمويلها المالي المستقل، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، من دون أي مساءلة من قبل الدولة، التي لا تستطيع ضمن أوضاعها الخاصة والهشّة أن تحاسب تلك الفصائل، أو تقوم بتجريدها من سلاحها، وأصبح السلاح فعلياً له أدوار عدة، من بينها أنه قوة ردّع ضد الخصوم السياسيين، وتخريب العملية السياسية في حال لم تتوافق مع مصالح قادة الأحزاب والفصائل.
العراق في العقدين الماضيين، كان دائماً يعيش في أجواء الحرب، فقد عانى موجات عنف طائفي دامية بين عامي 2005 و2007، وكذلك حالة صدام مع “داعش” الإرهابي، بعد استيلائه على الموصل في يونيو/ حزيران 2014، ومن الناحية العملية، فإن استمرار العراق كأرض خصبة للعنف والعنف المضاد، هو نتيجة مباشرة لفشل النخبة العراقية التي تتصدر المشهد العام، وتقوم باحتكار تمثيل المكونات المذهبية.
كل المقدّمات والظروف الموضوعية المؤهلة لحدوث حرب أهلية في العراق موجودة، والسبب الأول والأهم هو استمرار العراق كدولة فاشلة، تعاني انقساماً سياسياً عميقاً وحاداً، مع انعدام القدرة على احتكار السلاح، ووجود تدخّلات خارجية قوية معطلة للحلول السياسية، وسعي بعض القوى الخارجية لبقاء العراق من دون الارتقاء إلى مصاف الدولة الوطنية المستقلة بقراراتها وخياراتها، ومن الواضح أنه في ظل تصعيد وتصاعد حدّة هذه الأوضاع، وغياب أي أفق للتوافق على حلول سياسية، فإن حسم الصراع قد لا يكون في المسار السياسي، بآلياته وأدواته، بل عبر الصراع المسلح، وربما بدا لبعض الأحزاب السياسية أن استخدام السلاح يمكن أن يكون محدوداً ومحدداً في ظرف ما، لكن هذا الأمر ليس إلا وهماً، فمتى تكلم السلاح، وأريقت الدماء، تكون الحرب الأهلية بدأت، لكن من دون أن يعرف أحد، متى ستنتهي.