بقلم: كريستيانا فيغيريس
الشرق اليوم- لا نزال بعيدين عن تحقيق أهدافنا في التصدي للتغير المناخي، ولكن خطونا خطوة كبيرة إلى الأمام مقارنة بوضعنا في بداية عام 2022، وإن قانون تخفيض التضخم ليس مثالياً-لكنه يُظهر أنه يمكن التغلب على العقبات المحلية الهائلة.
لقد أصبحنا معتادين على أخبار المناخ الكئيبة، وعلى الرغم من تحذيرات العلماء واحتجاجات المجتمعات فإن الفيضانات الكارثية وموجات الحر التي حطمت الأرقام القياسية وحرائق الغابات المدمرة وموجات الجفاف المسببة للمجاعة قد أصبحت تتكرر وبشكل متزايد.
ولكن في بعض الأحيان فإن مفاجأة سياسية سارة تشجّع صناع السياسات والنشطاء على المضي قُدماً في المعركة ضد الاحتباس الحراري، فالموافقة مؤخراً على قانون تخفيض التضخم بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي سيسّرع من تحول أميركا للطاقة النظيفة هو مثال جيد على ذلك.
لقد شهدنا لحظات مشجعة مماثلة في الماضي، فخلال الأشهر التي سبقت تبني اتفاقية باريس للمناخ لسنة 2015، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والصين خطة مشتركة لتخفيض الانبعاثات والتي ساعدت في تمهيد الطريق للوصول إلى تلك الصفقة التاريخية، وفي سنة 2014 شارك مئات الآلاف من الأمريكيين في مسيرة بمدينة نيويورك من أجل المناخ والتي تجاوزت جميع التقديرات من حيث عدد المشاركين فيها مما دفع بالأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي-مون للحديث عن الموضوع والتأكيد على أهمية الاحتجاجات.
مثل قانون تخفيض التضخم، فإن تلك الانتصارات تبدو مفاجئة، ولكن الحركات الاجتماعية تساعد في تحقيق مثل هذا التقدم، ويمكن أن تصبح أكثر قوة عندما تتحول رياح السياسة لمصلحتها.
علاوة على ذلك كان توقيت القانون الأمريكي الجديد مثالياً لأن وتيرة حركة المناخ تتسارع في هذا الوقت من العام، فبعد أسابيع قليلة من الآن سيجتمع رؤساء الدول في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستتبعها قمة لرؤساء البلديات في بوينس آيرس وقمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 27) في شرم الشيخ، مصر.
إن المفاوضين بشأن المناخ معتادون على حضور مثل تلك التجمعات وكلهم إصرار على الإعلان عن إحراز تقدم بأي ثمن واستخدام القوة المطلقة للإرادة لإبقاء التركيز على العدالة المناخية، أما في السنوات الأخيرة فقد تمكن النشطاء الشباب من فضح تناقضاتنا حيث لا يمكن للمرء أن يقول إن الجهود المبذولة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية كافية عندما لا يفعل السياسيون شيئاً سوى الكلام.
لكن الموافقة على قانون تخفيض التضخم تعني أنه- في هذه الساعة المتأخرة من الكفاح ضد الاحتباس الحراري- يمكننا الاستعداد للاجتماعات القادمة ولدينا شيء جديد وملموس، فالولايات المتحدة الأمريكية هي تاريخياً أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري وفي السنوات الأخيرة كانت واحدة من الدول الرئيسة التي تخلفت عن الركب في المحافل الدولية التي تهدف للتصدي للمشكلة، لكن قانون تخفيض التضخم سيبقي الأمريكيين في اللعبة في الفترة التي تسبق محادثات المناخ الدولية لهذا العام.
إن القانون الجديد في الولايات المتحدة الأمريكية لا يضعها على المسار الصحيح لتقليل التلوث بشكل كبير فحسب، بل من المرجح أيضاً أن يؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة المتجددة، وسيسّهل ذلك على العديد من الاقتصادات الناشئة والبلدان منخفضة الدخل تبني مصادر الطاقة المتجددة بدلاً من بناء المزيد من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم.
وعلى الرغم من العقبات السياسية التي تواجه مثل هذا التقدم، هناك إشارات حول العالم على أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، إذ يريد الاتحاد الأوروبي أن تصل حصة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة لديه إلى 40 في المئة على الأقل بحلول عام 2030 كما حقق قطاع النقل في الهند والمسؤول عن 14 في المئة من إجمالي الانبعاثات في البلاد قفزة نوعية للأمام، من خلال الانضمام إلى تحالف ذا فيرست موفرز، وهو تحالف يهدف إلى إزالة الكربون من قطاع النقل، وذلك في مجال الصناعات الثقيلة والنقل لمسافات طويلة والتي تعتبر مسؤولة عن 30% من الانبعاثات العالمية، لقد وضعت الحكومة الكولومبية المنتخبة مؤخراً أجندة طموحة للغاية للمناخ والعدالة البيئية وهي أجندة واعدة من أجل إنهاء نموذج البلاد المدمر القائم على استخراج الموارد.
لقد ساهم ازدهار صناعة الطاقة الشمسية في الصين الى حد كبير في انخفاض أسعار الطاقة المتجددة إلى مستويات منخفضة جديدة، أما في البرازيل فقد زاد توليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية في عام 2021، حيث يمثل الآن أكثر من 13% من مزيج الطاقة في البلاد متجاوزا مؤشر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للطاقة النظيفة لذلك العام.
يمكن أن تحدث اختراقات سياسية بشأن قضايا المناخ بين عشية وضحاها وبشكل غير متوقع علماً أنه لسنوات عديدة كانت صناعة الوقود الأحفوري مصممة على إقناعنا بأنه لا يمكننا العيش بدون الفحم والنفط والغاز الطبيعي، لكن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أظهر وبكل بساطة أننا لا نستطيع الاستمرار بهذا الإدمان.
بينما تجني شركات الوقود الأحفوري أرباحاً غير مسبوقة، فإن أسعار الطاقة المرتفعة تسبب البؤس للناس الأكثر ضعفاً في العالم ودفعت ملايين آخرين للوقوع في براثن الفقر لأول مرة، وحتى في البلدان المتقدمة قد تضطر الأسر ذات الدخل المنخفض إلى الاختيار بين الطعام والتدفئة هذا الشتاء.
مثلما تسعى اتفاقية تخفيض التضخم إلى حماية سكان الولايات المتحدة من أسعار الوقود الأحفوري المتقلبة وآثارها غير المباشرة، يجب على كل حكومة أخرى أن تتحمل مسؤوليتها فيما يتعلق بحماية مواطنيها، علماً أنها لو تمكنت من عمل ذلك فسيعتبر المؤرخون هذه اللحظة على أنها اللحظة التي أطلقت فيها الولايات المتحدة برنامجا ضخما لمكافحة الفقر، حيث ربط الناس في كل مكان والى الأبد السياسة المناخية برفاهيتهم.
لا نزال بعيدين عن تحقيق أهدافنا في التصدي للتغير المناخي، ولكن خطونا خطوة كبيرة إلى الأمام مقارنة بوضعنا في بداية عام 2022، وإن قانون تخفيض التضخم ليس مثالياً-العيب الصارخ فيه هو غياب التمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على التأقلم مع تغير المناخ- لكنه يُظهر أنه يمكن التغلب على العقبات المحلية الهائلة، وإن مؤتمر الأطراف 27 قد أصبح قاب قوسين أو أدنى ويجب على القادة أن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات ولديهم شعور بالمسؤولية ودليل ملموس على التزامهم بالتحرك.