الشرق اليوم- بعد 6 أشهر من إطلاق روسيا “العملية العسكرية الخاصة” ضد أوكرانيا، لا توجد معاهدة في الأفق، ولم تنجح المفاوضات في بيلاروسيا ولا عبر الوسيط التركي، ومع ذلك ظلت الخطوط الأمامية مستقرة طوال شهرين، فلا الجيش الروسي حرر الأقاليم الانفصالية بالكامل، ولا الهجوم الأوكراني المضاد في خيرسون نتج عنه أي تأثير في هذه المرحلة من الحرب.
وقدم باحثون من ضمنهم الجنرال أوليفييه كيمبف مدير المجلس الإستراتيجي “لافيجي”، وبينوا بيهان الإستراتيجي والمؤرخ، تصور لبعض السيناريوهات على المدى القصير.
آفاق ضيقة للتقدم الروسي والأوكراني
في هذا السياق، رأى أوليفييه كيمبف أن احتمالات التقدم لدى الطرفين المتحاربين ضعيفة من الآن حتى نهاية الصيف، ولكن “يمكن للأوكرانيين أن يأملوا في التقدم على الضفة اليمنى لنهر الدنيبر، من دون الذهاب إلى حد الاستيلاء على مدينة خيرسون الكبيرة، كما يمكن للروس التقدم في دونباس، ولكن دون الاستيلاء على إقليم دونيتسك بأكمله”.
وعليه، فإن الخط الأمامي لم يتغير كثيرًا بسبب الظروف الجوية حتى نهاية الصيف أو بداية الخريف، وبعد ذلك ستستمر مبارزات المدفعية، لكن من دون مناورات كبيرة.
سيناريو استعادة خيرسون
يمكن بعد ذلك تخيل العديد من السيناريوهات، بعضها مواتية لكييف إلى حد ما، حيث يتمكن الجيش الأوكراني من صدّ الروس من ضواحي خاركيف واستعادة مدينة خيرسون الإستراتيجية، ولكن من ناحية أخرى يمكن أن نتخيل أن كل دونباس ستسقط في أيدي الروس. ويبدو هذا السيناريو الوسيط واقعيا وإيجابيا لأوكرانيا، كما يرى أوليفييه كيمبف.
وحسب تحليل بينوا بيهان، “يمكن أن يتجمد الخط الأمامي بعد ذلك بسبب الإرهاق المتبادل وعدم قدرة الطرف الآخر على تنفيذ هجوم كبير”، وتبقى روسيا مسيطرة على 20% من الأراضي الأوكرانية.
سيناريو تمكن روسيا من حماية 4 مقاطعات
بعد استئناف القتال في أوائل عام 2023، لا يمكن استبعاد سيناريو آخر أكثر ملاءمة للروس، بشرط أن تنجح موسكو في تعزيز وضعها العسكري وتوسيعه، حيث يذهب الروس أبعد قليلا من دونباس، لتعزيز سيطرتهم على خيرسون أوبلاست أثناء الدفع شمالا للاستيلاء على زاباروجيا بالكامل، كما سيحتفظون بمواقعهم الحالية بالقرب من خاركيف، من دون أن يتقدموا حتى يصلوا إلى ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا.
وعندئذ، تكون روسيا قد سيطرت على ربع أوكرنيا، والأهم أن ذلك سيسمح لها بإجراء استفتاءات على الانتماء في 4 مقاطعات كاملة، وفي هذا السيناريو يستطيع بوتين تقديم “عمليته العسكرية الخاصة” على أنها نصر جلي.
العودة إلى “وضع ما قبل الحرب”
وتظهر السيناريوهات السابقة لحظات مختلفة، ولكنها تقدم جميعها استمرارية معينة. وفي جميع الحالات، مهما أمل كل طرف تحقيق مكاسب هنا أو هناك، فإننا لا نلاحظ أي انهيار حقيقي لأي منهما، ومع ذلك لا يمكن استبعاد مثل هذه الفرضية.
وإذا بدأنا بانهيار الجيش الروسي، فإن ذلك يمكن أن يحدث إذا اتضح أن مخزون المعدات الروسية كان ناقصًا بشدة وأن الرجال وصلوا إلى درجة لا تطاق من التعب، مما يؤدي إلى إضعاف معنويات القوات. في مثل هذه الحالة، قد يُجبر الروس على التراجع إلى خط المواجهة قبل 24 فبراير/شباط 2022، إلا أن هذا “احتمال ضعيف جدا في هذه المرحلة”، حسب بنوا بيهان.
القرم كحل للحرب
ويمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك في حالة انهيار روسيا، إذ في مواجهة مثل هذه الهزيمة ستتفاوض كييف وموسكو على اتفاق يترك شبه جزيرة القرم لروسيا ودونباس لأوكرانيا، ولكن مع وضع خاص لهذه المنطقة الناطقة بالروسية، وستكون خسارة دونباس قابلة للهضم سياسيا في روسيا، وهذا السيناريو من غير المرجح، ويجد أوليفييه كيمبف صعوبة في تصديق وقوعه.
أوديسا ومشروع روسيا الجديدة
وعلى العكس من ذلك، يمكن تصور انهيار أوكرانيا، ففي هذا السيناريو الذي “يفي بشروط انتصار الكرملين أو حتى أكثر من ذلك بقليل”، وفقًا لبنوا بيهان، يمكن لروسيا أيضا أن تغزو خاركيف، المدينة الثانية في البلاد وزاباروجيا وميكولايف ودنيبرو، وبفضل ذلك “تحرم أوكرانيا من الوصول إلى البحر”، وتمتلك سلسلة تصل إلى ترانسنيستريا، تشبه “نوفوروسيا” التي ذكرها فلاديمير بوتين في مقال له عن “الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين”.
هل يمكن للروس أن يذهبوا أبعد من نوفوروسيا؟
إذا تمكن الروس من السيطرة على روسيا الجديدة، فهل يمكنهم مواصلة غزوهم إلى ما بعد ذلك؟ ونحن في إطار الخيال السياسي، يجب أن نعرف قبل كل شيء أن الروس كلما اتجهوا غربا واجهوا شعوبا معادية أكثر، مما يتطلب احتلال مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة التي يتطلب الاحتفاظ بها مئات الآلاف من الجنود، و”لا أعتقد -كما يقول بنوا بيهان- أن الروس لديهم إمكانية أو ميل للسيطرة بشكل مباشر أو غير مباشر على غرب أوكرانيا”.
أوكرانيا تستعيد حدودها عام 1991؟
يقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن “هدفنا هو استعادة حدودنا، وشبه جزيرة القرم أوكرانية”، واستعادة البلاد بالكامل هو الهدف المعلن للجيش الأوكراني، إلا أن كل ذلك يتطلب انهيار الجيش الروسي، وهو سيناريو “غير واقعي اليوم، لأن تباين القوة في مصلحة روسيا”، كما يؤكد بينوا بيهان الذي لا يؤمن أيضًا بسقوط نظام فلاديمير بوتين في موسكو.
وتخلص الصحيفة إلى أن تجمد خط الجبهة على مدى الشهرين الماضيين إشارة إلى أنه لم يعد بإمكان أي من الطرفين المتحاربين تنفيذ هجوم كبير، ومن ثم لن تتمكن موسكو في دونباس ولا كييف في خيرسون من تحقيق مكاسب كافية لادعاء النصر بحلول نهاية الصيف، وقد ينتهي الأمر إلى تجمد الصراع بشكل أو بآخر عند خط المواجهة الحالي.