الرئيسية / مقالات رأي / نصف عام من الحرب

نصف عام من الحرب

بقلم: مفتاح شعيب –صحيفة الخليج

الشرق اليوم- مع تجاوز الأزمة الأوكرانية حاجز الستة أشهر الأولى منذ اندلاعها، تنفتح على مدى غير محدد في ظل غياب مؤشرات على قرب وصولها إلى لحظة النهاية سواء بنصر أو هزيمة لأي من الأطراف المتصارعة أو حتى بمفاوضات؛ بل كل ما يصدر من ميادين المعارك، وكواليس الدبلوماسية، يشير إلى أنها مستمرة وتتمدد، وتستقطب عناصر وأدوات أخرى، ولن تخلو الفترة المقبلة من مفاجآت، سيكون بعضها صادماً على الأرجح.

بعد نصف عام على بدء الأزمة، وما خلّفته من ضحايا ودمار وتصدع للنظام العالمي، يتضح أن ميدان الصراع الحقيقي ليس على أرض أوكرانيا؛ بل في كل مكان تصطدم فيه مصالح روسيا والقوى الغربية، وأثبتت الأشهر الماضية أن هذه الأزمة جرى الدفع إليها بأساليب مختلفة، لتندلع وتستمر حتى يتم التوافق على صيغة للتعايش والتفاهم، وهو ما سيحصل في نهاية المطاف، لأن البديل سيكون حرباً شاملة لا تبقي ولا تذر. والوصول إلى طاولة المفاوضات، لن يكون سهلاً، فالأطراف الغربية ما تزال تراهن على إلحاق هزيمة بروسيا التي لم ترد، منذ البداية، الحسم السريع في أيام معدودات، مثلما توقعت ذلك الاستخبارات في الولايات المتحدة وبريطانيا، وبدأ يظهر أن تمديد زمن المعركة المسلحة، كان استراتيجية انتهجها الكرملين وقصدها حتى يتم إنهاك الطرف المقابل، ودفعه إلى تقديم تنازلات تتعلق بالوضع في أوكرانيا، والأمن الاستراتيجي في أوروبا، والمصالح المتضاربة في شتى بقاع العالم. وهذه الأهداف تتعلق بأسس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، يخلف نظام القطب الواحد الذي تزعمه المعسكر الغربي 30 عاماً، إثر انهيار المنظومة الشيوعية؛ ممثلة في الاتحاد السوفييتي.

ما يجري في أوكرانيا هو من بعض آلام ولادة هذا النظام الجديد، وما تعيشه أوروبا من أزمة اقتصادية، غير مسبوقة، تتعلق بالطاقة من البعض الآخر، وهناك أعراض في مناطق عديدة، ومنها ما يدور بين الصين وتايوان، وما يحدث من تقلبات وإعادة رسم للتحالفات في إفريقيا والشرق الأوسط. والغرب، الذي يرى نفوذه يتآكل وسطوته تتراجع لمصلحة موسكو وبكين، لن يسلم بسهولة حتى تفعل فيه التداعيات فعلها. ومن علامات ذلك ما يعانيه المعسكر الغربي من ركود اقتصادي ثقيل، لا سيما في الدول الأوروبية التي تعاني نقصاً شديداً في الطاقة في ظل تقلص إمدادات الغاز الروسي وتعذر البدائل، والخوف من مواجهة شتاء غير مسبوق القسوة حتى في زمن الحروب والصراعات في القرون الخالية.

بناء على ما يتوفر من معطيات، فإن الأزمة الأوكرانية ربما ستتطلب ستة أشهر أخرى أو أكثر حتى تتحقق نتائجها الاستراتيجية، لكنها في الفترة المقبلة ربما تأخذ منحى تصعيدياً، عسكرياً واقتصادياً، وهو ما تؤشر إليه بعض الأحداث مثل اغتيال الصحفية الروسية المقربة من الكرملين داريا دوغين، وتعهد موسكو برد “لا يرحم” على القتلة؛ وذلك بعدما اتهمت كييف بالوقوف وراء الجريمة. وفي أيام الحروب الطويلة، تكون بعض الأحداث مفاصل مهمة، وتزامن ذلك الاغتيال مع حاجز الستة أشهر، ربما يكون منعطفاً قد يسرّع من وتيرة المعركة أو يفتح لها جبهات أخرى.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …