الشرق اليوم- يستعصي على كل عربي مخلص ألا يحزن لكرة النار التي تتنقل بين بعض أقطارنا، ملتهمة كل أمل في أن تهدأ الخريطة العربية التي يبدو أنها منذورة دوماً للقلق والاضطراب، وكأن قدر معظم شعوبها عدم اليقين، والتيه في غياهب العبث السياسي.
لا ينبغي لأحد ما أن يتجاوز ما يجري تحديداً في ليبيا والعراق، وربما بدرجة أقل ما تعيشه بلدان أخرى، وإن بتفاصيل متباينة، من أزمات ملتهبة.
ليبيا طال خريفها، وكل ورقة للحل يعصف بها بعض الأطراف التي تتمسك بالعنف سبيلاً، وتبعدها حسابات الأنانية عن مسالك الحوار الذي يفضي إلى كلمة سواء.
وكلما تجددت تطلعات الليبيين إلى مخرج، يجمع الفرقاء تحت مظلة واحدة، تضمن الاستقرار، وبناء المستقبل المنشود بقوانين ومؤسسات لا تستثني أحداً، التهبت الشوارع، وبدأ السلاح طريقاً لانتزاع الشرعية.
لا تحتاج ليبيا فقط إلى قلق دولي من التسخين العسكري في شوارع عاصمتها، فنحن العرب أولى بالقلق. والليبيون، خاصة ساستهم، أجدر بالأسى على ضياع فرص استعادة وطن مستقر موحد كامل السيادة.
القلق العربي مما تشهده ليبيا رافق بدايات الاضطراب، وكان أسبق إلى تحذير من مغبة الاقتتال والانقسام، وأسهم حكماء ومخلصون من العرب في دعم كل جهد، يستعيد البلد الشقيق، ويحيي آمال شعبه الصابر، لكن من لا يريدون له الخير بددوها.
أما العراق فبقعة أخرى للقلق: قلق العرب، وقلق شعبه، فالمعاناة طالت، والخسائر في البشر والمقدرات تجاوزت كل حد.
الحوار غائب، وإن حضر فلا ثمار له، والساحات متأهبة دوماً لغضب منه المبرر والمعبر عن يأس من الحل، ومنه المفتعِل للأزمات، بما يقطع الطريق على أي اجتماع على كلمة أو اتفاق على مسار.
تصريحات من خارج العراق وداخله، تدعو إلى احترام المؤسسات، والاحتكام إلى الدستور، والحوار الوطني المفضي إلى حل للأزمة. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن العراق لا يعرف الراحة، ولا يقترب من الاستقرار المنشود، فأين الخلل؟
خط القلق ممدود إلى لبنان المعطَل، الغارق في بيروقراطية ولادة شديدة التعثر لتشكيلة حكومية قد لا تكون أحسن حظاً من سابقاتها، بينما هموم اللبنانيين اليومية، وما يحيط بوطنهم من تفاصيل أكبر من ذلك بكثير.
الحديث يصح عن أقطار عربية أخرى، يراوح القلق فيها بين الحدة والخفوت، لكن الجامع بين كل هذه المواضع الموجعة في الجسد العربي، أن سنوات شعوبه تفنى في انتظار ما يليق بها من حياة.
لن يمل المخلصون من العرب، قادة وشعوباً، من التمسك بأمل استعادة الاستقرار إلى المنطقة، وتوفير ما يستحق أبناؤها من ازدهار، والعمل المشترك، لضمان مستقبل مشرق لهم.
بقي على من يحترفون صناعة القلق والتكسب منه، استعادة إيمانهم بوطنيتهم وحقوق شعوبهم في أوطان هانئة، تمضي للأمام غير مكبلة بأوزار من يخلصون فقط لرغبات شخصية أو يرتهنون بإرداة من لا يريد لأوطانهم خيراً.
المصدر: صحيفة الخليج