بقلم: د. محمد علي السقاف – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- منذ أكثر من سبعين عاماً وأزمة العلاقة قائمة بين الصين الشعبية والصين الوطنية (تايوان). ما جذور هذه الأزمة وأسباب امتدادها حتى الآن، كما أظهرت حدتها عند زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي بيلوسي مؤخراً لتايوان ورد الفعل الصيني إزاء هذه الزيارة؟
ما أهمية تايوان الجيوستراتيجية للصين، هل هو مجرد تمسكها بمبدأ “بلد واحدة ونظامين” أم أن لذلك أيضاً دوافع أخرى ذات أبعاد استراتيجية وجيوسياسية؟ وهل هناك مجال للتحليل على المستوى الأكاديمي بإجراء مقاربة بين الحالة الصينية – التايوانية، وما كان عليه الوضع في العلاقة بين الألمانيتين قبل توحدهما في أكتوبر (تشرين الأول) 1990؟ هل ما حدث بين الألمانيتين هو توحد أم إعادة توحيد (unification – Reunification) بين البلدين؟ وما مدى إمكان طرح السؤال ذاته على مستوى علاقة الصين الشعبية مع الصين الوطنية؟ هل تسعى الصين إلى إقامة وحدة مع تايوان أم إعادة توحدها كما كانت في الماضي؟
لفهم أبعاد العلاقة بين تايوان والصين الشعبية يتطلب الأمر العودة إلى التذكير ببعض المحطات التاريخية الرئيسية بين البلدين.
أدى إعلان جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر 1949 بقيادة الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ، إلى إيجاد دولتين للصين: الصين الوطنية (تايوان) بزعامة شيانغ كاي شيك الذي قاد المقاومة ضد الاحتلال الياباني في الحرب العالمية الثانية، وكذلك ساهمت أيضاً من جانبها قوات ماو من الحزب الشيوعي الصيني في المقاومة وتحرير الأرض الصينية من الاحتلال الياباني.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية استسلمت اليابان وتخلت عن سيطرتها للصين والتي دامت خمسين عاماً حيث تمكنت قوات المقاومة المسماة “الكومينتاج” وهي معادية آيديولوجياً للشيوعية من الاستيلاء والسيطرة على تايوان. ويشير المؤرخون إلى أن الحرب الكورية في عقد الخمسينات أنقذت تلك المجموعة القومية بإيقاف التغلغل الشيوعي إلى مواقعها وذلك بفضل الدعم والحماية الأميركية التي قامت بذلك انطلاقاً من سياستها لاحتواء الشيوعية وتمددها في آسيا.
في عام 1945 انضمت الصين الوطنية كإحدى الدول المؤسِّسة للأمم المتحدة ضمن الدول دائمة العضوية، مع حق استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي. وتمسكت الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية في اعترافها بالصين الوطنية بأنها “الممثلة الشرعية الوحيدة لدولة الصين” ومن حقها الاحتفاظ بمقعدها في مجلس الأمن. ولكنها في مطلع السبعينات في عهد الرئيس نيكسون تراجعت الولايات المتحدة عن موقفها المتشدد من خلال دبلوماسية هنري كيسينجر وزير خارجيتها، بالموافقة في عام 1971 على صدور القرار من مجلس الأمن الدولي برقم 2758 بإعطاء مقعد الصين الوطنية للصين الشعبية، كما اعترفت الولايات المتحدة رسمياً ببكين في الأول من يناير (كانون الثاني) 1979 بأن الصين واحدة ممثَّلة في الصين الشعبية دون التطرق في اعترافها إلى موضوع السيادة في تايوان. وبهذا تكون الولايات المتحدة قد تبنت وجهة النظر الصينية التي تعد تايوان جزءاً من الصين الشعبية.
وكان لتداعيات هذا الاعتراف الأمريكي قطع عدد كبير من الدول علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، وتراجع هذا في عام 1979 إلى مستوى أربع وعشرين دولة لينخفض العدد بعد ذلك في 2021 إلى خمس عشرة دولة فقط.
تعد مسألة تايوان بالنسبة للصين أحد العناصر الرئيسية التي تتحكم في علاقاتها مع الدول الأجنبية، حيث تشترط على أي دولة ترغب في إقامة علاقات دبلوماسية معها الاعتراف بالصين الواحدة، مما يعني ذلك عملياً اعتبارها أن تايوان هي مجرد إحدى المقاطعات الصينية وليست دولة مستقلة. ولهذا، كما أسلفنا، كانت المسألة التايوانية حاضرة في العلاقات الصينية – الأمريكية التي بعد امتناعها عن الاعتراف بالصين الشعبية لفترة طويلة توصلت إلى قناعة أن عزم الصين على استعادت تايوان هو أمر لا يمكن تتنازل عنه فهي بمثابة عقيدة راسخة يصعب عليها تغيير موقفها منها.
والسؤال المهم بالنسبة للولايات المتحدة والغرب: كيف ستعمل الصين على تحقيق حلمها باستعادة تايوان إلى الوطن الأم؟ هل ستقوم عبر استخدام القوة أم عبر المعالجة الدبلوماسية واتباع سياسة مرنة تستميل تايوان للدخول تحت العباءة الصينية؟
في البدء رأت الصين أن الحل العسكري هو الخيار الذي يتيح لها ضم تايوان وذلك حتى عام 1979.
في الثمانينات بدأت العلاقة تتحسن بين الصين وتايوان حين طرحت الصين مبدأ “دولة واحدة ونظامان” تُمنح بموجبها تايوان استقلال ذاتي إذا قبلت إعادة توحيد الصين. وبالفعل أعطت نموذجاً لعرضها هذا في هونغ كونغ التي استعادتها الصين في عام 1979 وذلك لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البر الصيني، الأمر الذي تم رفضه منهم، ولكن في نفس الوقت خففت تايوان من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين، وقامت بإلغاء في 1991 التعبئة العامة لحالة الحرب السائدة ضد الصين.
وفي عام 2000 عندما انتخبت تايوان تشين شوي رئيساً. شعرت الصين بالقلق حين أيّد مبدأ الانفصال التام و”الاستقلال” وزاد الطين بلة بإعادة انتخاب تشين مرة أخرى في عام 2004 مما أدى إلى تصلب موقف الصين وقيامها في 14 مارس (آذار) 2005 بإصدار “قانون مناهضة الانفصال” والذي نص على حق الصين في استخدام “الوسائل غير السلمية” ضد تايوان حال حاولت الانفصال عن الصين.
وهدأت العلاقات المحتدمة بين البلدين بوصول ما بينغ جيو في عام 2008 إلى سدة الرئاسة، حيث سعى إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقات الاقتصادية وإقامة حوار وتواصل بين حكومتي البلدين لتطبيع العلاقات بينهما إلى حد أنه تم تنظيم لقاء قمة استثنائي في سنغافورة بين قيادتي البلدين وذلك في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 وعُدّ ذلك اللقاء الأول من نوعه منذ قطيعة العلاقات في عام 1949!