بقلم: عبدالله الجنيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- الملف النووي الإيراني هو أقرب لانحشار شاحنة (محملة ببضاعة سريعة العطب) في شارع فرعي دون منفذ، فلا واشنطن قادرة على التقدم أو التراجع، وطهران هي الطرف الوحيد الحامل لبوليصة تأمين “سياسي” على تلك البضاعة. وهي المستفيد الأول سياسياً ومعنوياً أن طالت المفاوضات أو قصُرت، أما غارميه، فهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرقين الأوسط والأدنى.
واشنطن بقصد أو دون قصد قد حققت لإيران كافة أهدافها الاستراتيجية المرجوة من مشروعها النووي (سياسياً ومعنوياً) حتى وإن لم تمتلك سلاحاً نووياً. وباتت في عيون العالم من الكبار بعد التفاوض معها لما تجاوز 15 عاماً وهي صامدة رغم كافة العقوبات. وممارسات إقليمية توسعية مقبولة من قبل الكبار (الأطراف المتفاوضة معها)، حتى وإن تجاوزت في ذلك كافة الأعراف والمواثيق الدولية.
أما من منظور واشنطن، فهي (تفترض) تحقيقها لمكسبين، أحدهما سياسي والآخر معنوي. فهي مارست هيمنة ثقلها السياسي على جميع أطراف هذا الملف، وذلك هو الشق المعنوي. أما السياسي، فقد تمثل في محاولة إقناع طهران بأنها هي فقط من يملك تقديم ضمان استدامة مكانتها وكافة مكاسبها السياسية بخلاف حلفائها الاستراتيجيين، وكذلك إمالة كفة التوازن الإقليمي بما يتناسب ومن ترى فيه واشنطن حليفاً قائماً أو محتملاً. وهنا تكمن معضلة هذا الملف، أي “افتراضات واشنطن المنافية للواقع أو قابلية استدامة مخرجاتها”. ففي حال تم التوصل لاتفاق حول ملف إيران النووي، فإن مكاسب طهران السياسية سوف تتعاظم، خصوصاً عودتها لتكون أحد المنتجين الرئيسين في أسواق الطاقة.
وبرغم ما قد يمثل ذلك من مكاسب آنية لواشنطن متمثلاً بتعويض الإمدادات الروسية، إلا أن هدفها الاستراتيجي يتمثل بتحجيم هيمنة الثقل السعودي في صناعة قرار الإنتاج والأسعار. طهران تبقى الرابح الأكبر مهما حاول البعض تصوير الحاضر بما يخالف الواقع، واليوم وعبر ما يرشح من معلومات حول توافق قد يُفضي إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، فإن طهران أثبتت عبر رفضها الخضوع للإرادة الدولية، بأن العقوبات بكل أشكالها تبقى محدودة الفاعلية والتأثير (مماثلة تلك والعقوبات المفروضة على موسكو).
أما ثانياً، فإن ما يعتبره البعض سلوكاً غير أخلاقي، يبقى أمراً نسبياً بمعايير عالمنا اليوم. ما يتبقى من كل ما سبق هو الموقف الإقليمي من أي اتفاق قريب أو محتمل بين طهران وواشنطن، فهل سيقدم الاتفاق الضمانات الإقليمية المطلوبة؟ وهل ستحتفظ واشنطن وحدها حق تفعيل آلية (ارتداد الزناد Snapback) في حال قدرت هي خرق طهران للاتفاق المرتقب؟ وهل ستقبل واشنطن بما تشترطه طهران من ضمانات؟ مهما كانت النتائج، إلا أن مفردة “نووي” قد فاقت من حيث مكانتها في قاموسنا السياسي والاجتماعي كل ما عداها من كلمات دالة أو ذات رمزية.