بقلم: فاروق يوسف – صحيفة النهار العربي
الشرق اليوم- ليس صحيحاً ما يُقال من أن مقتدى الصدر لن يخسر شيئاً إذا ما سقط. فلولا النظام بتركيبته الطائفية ما كان للصدر أن يتصدر المشهد السياسي باعتباره واحداً من أهم أركان ما سُمي مجازاً بـ”البيت الشيعي”. منذ بداياته والنظام يحرص على أن لا تنقص حصة الصدر من الغنيمة، ثروة العراق التي تقاسمتها الأحزاب. وبالرغم من الظروف الصعبة التي مر بها الصدر أثناء ولايتي نوري المالكي بسبب العداء المستحكم بين الرجلين، فإن تلك الحصة ظلت مُصانة وهو ما قابله الصدر بطريقة حسنة حين منع غير مرة سقوط النظام، إنْ من طريق تظاهرات أنصاره التي كانت تخترق تظاهرات المحتجين الشباب وتشوش عليها أو من طريق استعمال القوة المسلحة لميليشياته التي سبق لها وأن ارتكبت مجازر في حق المدنيين عبر سنتي الحرب الأهلية (2007 ــ 2008).
كان الصدر إلى وقت قريب لا يشارك المحتجين دعوتهم إلى إسقاط النظام بل كان يكتفي بالدعوة إلى إصلاح النظام وتنظيفه من الفاسدين الذين اكتشف أنه لا يستطيع التخلص منهم من طريق الانتخابات. تلك الممارسة الديموقراطية التي لا يمكن أن تُجرى بعيداً من تأثير المال السياسي. ولأن الفاسدين يملكون فائضاً من الأموال المنهوبة في بلد، غالبية سكانه من الفقراء فإنهم سيكونون قادرين على تحقيق نصر انتخابي من غير أن تهتز شبكة النزاهة.
اليوم إذ يدعو الصدر إلى حل مجلس النواب بمعنى إنهاء العمل بنتائج الانتخابات الأخيرة (عام 2021) واسقاط الحكومة التي كانت محاولة حظيت بدعمه للإبقاء على النظام بعد أن كان مهدداً بالسقوط بفعل احتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) 2019 فإنه قد يدعو لاحقاً إلى أن تحل حكومة إنقاذ محل حكومة مصطفى الكاظمي، فالرجل من وجهة نظر الكثيرين والصدر واحد منهم حرص على أن يكون محايداً من أجل أن يُجدد له أياً كان المنتصر في النزاع. لقد وصل الصدر إلى قناعة تُفيد بأن أي انتخابات جديدة لا يمكن أن تكون أفضل من سابقاتها وقد يكون اللجوء إلى المحكمة الاتحادية مجرد محاولة لسرقة الوقت ليس إلا. غالباً ما يفكر الصدر في شيء آخر فيما يقول كلاماً غير مفهوم. شعبويته تغفر له بالنسبة الى جمهوره.
ولكن هناك مشكلة اسمها “الحشد الشعبي”. أكثر من مئة ألف مقاتل مجهزين بأحدث الأسلحة ويدينون بالولاء للولي الفقيه على طريقة حسن نصر الله ويُدارون من قبل “الحرس الثوري” الإيراني. “الحشد الشعبي” كتنظيم اكتفى بدور المشاهد لما يجري، غير أن زعماء الأحزاب الذين يرغب الصدر في التخلص منهم هم قادة عدد من ميليشيات “الحشد” كما هو الحال مع هادي العامري زعيم منظمة بدر. باستثناء نوري المالكي فإن كل خصوم الصدر هم قادة ميليشيات لها علاقة بـ”الحشد الشعبي”. في تلك الحالة فإن الصدر في حاجة إلى عقد صفقة مع إيران، تضمن من خلالها سلامة مصالحها الاقتصادية وهو ما سيبقى لها في العراق في سياق شروط الاتفاق النووي. من الصعب والحالة هذه أن يتحول “الحشد الشعبي” إلى ميليشيا دولة. غير أن الأصعب أن يبقى كما هو. ولكن هل ستتاح للصدر فعلاً فرصة إزالة النظام بعد أن صار على يقين من أن شعبويته قد مهدت الطريق أمامه في اتجاه إقامة نظام سياسي جديد في العراق؟
قبل انتخابات عام 2021 كان الصدر قد أكد غير مرة أن الدولة ستكون له. ولأن النتائج خذلته حين لم تهبه الأغلبية المطلقة في مجلس النواب فإنه لم يجد معنى للإصلاح في التحالف مع الأكراد والسنّة. ذلك التحالف الذي ييسر له القدرة على تأليف حكومة جديدة. ولكنها ستكون حكومة محاصصة هي الأخرى. سيكون من حق خصومه في الأحزاب الشيعيّة أن يطالبوا بحصصهم في الحكومة. في تلك الحالة سيعود الصدر إلى ما كان عليه قبل الانتخابات، مشاركاً في دولة الفساد بل ستكون مسؤوليته عن الفساد أكبر. ذلك لأنه سيوزع الحصص بنفسه. ذلك ما دفعه إلى الانسحاب من تحالفه مع الأكراد والسنّة يوم انسحب من العملية السياسية من غير أن يخبرهم بقراره. كان يائساً منهم بقدر يأسه من أن يكون وجود نوابه في مجلس النواب نافعاً.
يومها شعر بأن النظام السياسي قد انتهى.
وليس من المستبعد أن يكون خصوم الصدر الشيعة قد أدركوا بعد فشل محاولات رأب الصدع أنه قد اختار درب اللاعودة. لذلك فإنهم حشدوا شارعهم ولكن هل سيلجأون إلى مواجهته بـ”حشدهم” المسلح؟ ذلك ما لم يكن الصدر مستعداً له ذلك لأنه لم يضعه في تقديراته المبنية على مبدأ الصدمات المتلاحقة. لذلك سينتظر أولئك الخصوم خطوته التالية التي لن تقع إلا بعد حل مجلس النواب وهو ما سيطول انتظاره وقد يقع في أية لحظة. وقياساً على ما شهدته العملية السياسية عبر الأشهر العشرة الماضية من تحولات، فإن الصدر سيكون مستعداً لتوجيه ضربته الأخيرة التي سيتحدد من خلالها مصير النظام.