بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يبدو أن الأزمة العراقية التي توالت فصولها تباعاً تتجه نحو لحظة فارقة، بعد أن بلغت اختبارات القوة والحشد والحشد المضاد ذروتها، وفشلت معها كل المبادرات ومشاريع الحلول للخروج من هذه الدوامة التي طالت وأنهكت العراق والعراقيين، قبل أن تدخل في رهان أخير على منع الانفجار والعبور نحو السلام.
يعتمد هذا الخيار على القوى العراقية ذاتها وما إذا كانت مستعدة لتجنب الصدام والاحتكام إلى صوت العقل بعيداً عن الشخصنة والمصالح الفئوية الضيقة، والبحث عن توافق يأخذ مصالح العراقيين أولاً قبل القوى السياسية وتحالفاتها الداخلية والخارجية. ومن المؤكد أن العراقيين، بعد سنوات من حروب الإرهاب وتداعياتها، قد تعبوا من انتظار اللحظة التي يتمكنون فيها من العيش بكرامة وتوفير مقومات الحياة الضرورية لهم. وهذا يقتضي دون شك اجتثاث الفساد والفاسدين الذين نهبوا خيرات البلاد وثرواتها، ولا يزالون يعيثون في الأرض فساداً دون حسيب أو رقيب.
في السياسة يتمحور الصراع حول منع عودة الفاسدين إلى الحكم، وتقديمهم إلى العدالة، وقد دفع العراقيون ثمناً باهظاً من دماء أبنائهم، تجسد في مئات الضحايا الذين سقطوا في “ثورة تشرين” عام 2019. التظاهرات والاعتصامات المحتشدة في الشارع اليوم تشكل امتداداً للحراك التشريني، وإن بصورة مختلفة، لكن المشكلة تبقى في أن المتنفذين أيضاً لهم شارعهم وتحالفاتهم، وبالتالي فإن استمرار التعبئة والتحشيد في الشارع قد يدفع إلى الانفجار ويجر الجميع إلى صراع دموي يدفع ثمنه العراق بكل مكوناته السياسية والمذهبية.
ما يدور الآن بين التيار الصدري و”الإطار التنسيقي” يختزل هذا الصراع الذي يكاد يبلغ محطته الأخيرة قبل الصدام في الشارع، إذ يبدو أنه لا توجد إمكانية للتوافق بين الطرفين، بعد أن انقسم “المكون الشيعي” إلى معسكرين متناحرين، إلا بشروط معينة، لخصها التيار الصدري بإبعاد ثلاث قوى من مكونات “الإطار التنسيقي” وصفها ما يعرف ب “وزير الصدر” محمد صالح العراقي ب “الثالوث المشؤوم”، في إشارة إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيمي “عصائب الحق” و”تيار الحكمة”. وفي الوقت نفسه أشاد الصدر بزعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، واصفاً إياه ب”شيخ الإطار” الذي لا يزال يغلب لغة العقل والحكمة، قبل أن يفاجئ الجميع بخطوة تكتيكية ألغت تظاهرة الزحف المليوني التي كانت مقررة في بغداد السبت المقبل، حتى إشعار آخر. بهذا المعنى، فإن التيار الصدري، الذي أبدى استعداده للحوار مع العامري يراهن على “تفكيك الإطار”، وإبعاد ما أسماه “الثلاثي المشؤوم” لفتح ثغرة يراها أساسية في جدار الأزمة، ومن ثم التفاهم على خطوات حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. لكن أيضاً يدرك التيار الصدري أنه كان عليه التراجع قليلاً، مع إعلان “الإطار” عن حشد مقابل بالتزامن مع “مليونية” التيار الصدري، ومع إعلان فصائل مسلحة منضوية في “الإطار” عن نزولها إلى الشارع بذريعة ضبط الأوضاع، الأمر الذي يضع احتمال الصدام وارداً، ويتوافق مع تحذير الصدر من سعي “الإطار” الى جر البلاد الى “حرب أهلية”.