الشرق اليوم- هل فاض كيل كوكب الأرض فتوالت آيات تذمّره في صور جفاف وتبدلات حادة في الطقس، حرارة وبرداً، ومعدلات تلوث خانقة؟
هل ما نشهده اليوم من تغيّرات مناخية هو آخر ما يمكن أن نعانيه، أم أن المقبل أسوأ؟
هل استفاق أهل الأرض، دولاً وأفراداً، إلى الحد اللازم لإنقاذ ما تبقى منها سليماً، وسنرى سياسات وتشريعات على مستوى العالم تترجم هذه الاستفاقة؟
الأسئلة في هذا السياق يمكن أن تتدفق بغير توقف، وهي أسئلة باعثة على الحسرة التي يمكن أن تتضاعف، ما لم تكن التحركات هذه المرة جادة وعازمة على تدارك التجاهل الطويل للتحذيرات التي أبصرت مبكراً، ما يمكن أن تؤول إليه أوضاع كوكبنا.
أسرف العالم، خاصة الجزء الموصوف منه بالمتقدم، في استنزاف الأرض وخيراتها ومواردها، بل إنه ردّ إلينا هذه الخيرات في صور أمراض وتلوث واستنزاف للمقدرات، بعد أن أغوته مكاسب الصناعة بالاستمرار في معاداة طبيعة الكوكب.
والأنكى، أن ما يدور من صراعات في بعض بقاع العالم ينذر بالعودة إلى مصادر طاقة ملوِّثة في دول موغلة في التقدم الذي يفترض أن يدفع إلى البدائل النظيفة، لكنه ثمن آخر للتناحر يدفعه الكوكب، والأمل أن تكون نهاية ذلك قريبة مترافقة مع نهاية للحرب الروسية الأوكرانية، تحديداً.
على أية حال، الاستفاقة المتأخرة خير من عدمها، ولعل في المشاهد المناخية التي تثير الحيرة والحسرة، والتقلبات الحادة التي كسرت إيقاع الفصول ما يدفع إلى المراجعة، والمسارعة إلى ترميم ما أتلف البشر، وإصلاح ما أفسدته المناكفات السياسية، والهوى الحزبي في بعض الدول.
ها هي الولايات المتحدة التي انسحبت في عهد ترامب من اتفاقية باريس بشأن التغير المناخي متعللة بتأثيراتها في الاقتصاد الأمريكي، تعود إلى بعض الصواب مع الخطة الاستثمارية الواسعة حول المناخ والصحة التي وقّعها جو بايدن، الثلاثاء.
وبعد أن كانت حجة ترامب، وهو يتملص من اتفاقية باريس، تأثيراتها الاقتصادية، ها هي خطة خليفته تتضمن أكبر استثمار توظفه الولايات المتحدة في مكافحة تغير المناخ، مترجماً إلى حوافز مالية هدفها دفع الاقتصاد الأمريكي باتجاه مصادر الطاقة المتجددة.
إلى هذا الطريق يتحتم على بقية الاقتصادات الكبرى العودة وأن تعترف بما اقترفته بحق الكوكب، وشعوبه، وأن تعيد الإنصات إلى أنين الأرض الذي تجلّى مبكراً في صرخات علماء وباحثين ومراكز متخصصة، بدلاً من سحقها تحت أقدام تسعى إلى المكسب السريع، بينما الخسارة جماعية.
من عجب أن دولاً غير التي تسببت بالمأساة كانت الأسرع إلى تبنّي سياسات ورؤى حاولت تجنبها بالالتجاء إلى الطاقة النظيفة.
وفي الإمارات خير مثل على هذا التوجه السديد الذي ينتصر للأجيال الحالية، فيحميها من المرض والفقر، وللأجيال المقبلة فيحفظ لها ما تبقى من خيرات الأرض.
إن في هذا الاتجاه صوناً للحرث والنسل عبّرت عنه، أخيراً، مبادرة الأزهر الشريف “مناخنا حياتنا”، مواكبة لاستعدادات مصر لاستضافة مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغيّر المناخ “كوب 27″؛ والذي تستعد دولة الإمارات أيضاً لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين منه بمدينة إكسبو دبي في نوفمبر 2023.
إن الكوكب في انتظار مساع جماعية وفردية أكثر جدية في التعامل مع ما بلغه من أذى.
المصدر: صحيفة الخليج