بقلم: سلطان حميد الجسمي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لم يعتقد العالم قبل أعوام عدة، بأنه على موعد مع أسوأ التغيرات والاضطرابات المناخية التي عرفتها البشرية، والتي سوف تغيّر جذرياً مواطنهم، وتؤثر في حياتهم، حيث يمر كوكب الأرض اليوم باضطرابات كبيرة ومعقدة بسبب آثار التغير المناخي. ولم يكن العالم قبل أعوام يتوقع أن تكون هذه الكارثة الحقيقية بهذا الحجم الكبير، فالجفاف غزا المدن الأوروبية والأرياف والأنهار والبحيرات، بعدما كانت واحات وجنات خضراء، والحرائق والفيضانات أصبحت كوابيس خرجت عن السيطرة في البلدان التي تتنشر فيها الغابات الشاسعة، وارتفاع درجات الحرارة أصبح الطابع اليومي في البلدان التي اعتادت من قبل على درجات حرارة معتدلة صيفاً، ما أدى إلى حدوث وفيات كثيرة يومياً نتيجة هذا الوضع الجديد. وقد تفطّن المجتمع الدولي، منذ الأعوام القليلة الماضية، لخطر التغيّر المناخي، فعقد اتفاق باريس، أو “كوب 21” في عام 2016، حيث اتفق العالم على محاربة التغيّر المناخي بشكل جاد، عن طريق تخفيض ثاني أوكسيد الكربون الناجم عن المصانع والنشاطات الأخرى.
ومما لا شك فيه أن التغيرات المناخية التي كانت بالأمس تهديداً مستقبلياً، أصبحت اليوم حقيقة واقعية، ولذلك أصبح يتوجب على المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والعلماء العمل بشكل فعّال، وبتفكير جاد، على إيجاد حلول سريعة لمحاربة التغيّر المناخي الذي أصبح أمراً مهماً ومصيرياً للبشرية ولكوكب الأرض، فمن منطلق الحفاظ على استقرار درجات الحرارة يجب العمل على الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، ما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس، ورفع درجات الحرارة بسبب أعمال البشر في الفحم والنفط والغاز، والتي تنتج عن حرق الوقود الأحفوري، ما يتطلب من جميع الفئات على كوكب الأرض التعاون الجاد ووضع استراتيجية قريبة المدى للحد من ذلك. وقد عملت دولة الإمارات منذ سنوات عدة، يداً بيد مع المجتمع الدولي لمكافحة التغيّر المناخي، وساهمت بملايين الدولارات لدعم هذا الملف، وسوف تستضيف قمة المناخ “COP 28” في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ويتوقع أن تكون هذه القمة حدثاً فريداً من نوعه، في المنطقة والعالم. وعلى مدى 15 عاماً الأخيرة، حرصت دولة الإمارات على ترسيخ ريادتها في مجال الطاقة النظيفة والعمل المناخي، إذ استضافت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا” منذ عام 2009، وهي منظمة حكومية دولية تدعم البلدان في انتقالها واعتمادها الطاقة المستدامة، ويعلم القاصي والداني أن مساعي دولة الإمارات مستمرة في محاربة التغير المناخي ودعم المنظمات الأممية في ملف المناخ والبيئة.
ويعتبر الحد من اضطرابات التغير المناخي والحلول المناخية من أهم المعطيات الإيجابية للبشرية سواء على المستوى الصحي، أو الاقتصادي، أو البيئي، فمنافعها كبيرة على البشرية، وعلى عكس ذلك، فإن مخاطر التغير المناخي وخيمة على حياة البشرية، بما له تأثير في الصحة العامة والقدرة على الزراعة والسكن والسلامة والعمل. فبسبب ذلك تتأثر البلدان الزراعية، أو الدول الجزرية الصغيرة بشدة، بالتغيّر المناخي، خاصة في حال الفيضانات أو الجفاف التي تطال المساحات الزراعية، أو الحرائق الكبيرة في عدد من الدول، كما هو حاصل الآن، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير في سكان هذه البلدان، وقد ترصد حالات مستقبلية تسمى “اللاجئين بسبب المناخ” كما أكدت الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها، مع توالي الصيحات الأممية في التحذير من احتمالية نزوح أكثر من 32 مليون نسمة من غرب إفريقيا بحلول 2050 إذا استمرت التغيرات المناخية من دون عمل جاد في هذا الملف من المجتمع الدولي. وقد أظهرت الدراسات أنه كلما ازداد معدل حدوث الجفاف وأصبح أكثر شدة فإن الدول النائية في إفريقيا ستواجه ندرة في المياه والإجهاد المائي، حسب ما جاء في تقرير لوكالات المنظمة الدولية، واحتمالية زيادة في الصراعات لأجل الحصول على الماء في القارة الإفريقية، وهذا الأمر للأسف أصبح شبحاً يهدد أغلب الدول التي تطل على الأنهار والأحواض العابرة للحدود.