الشرق اليوم- عدة أزمات ربما يواجهها تنظيم القاعدة بعد مقتل زعيمه أيمن الظواهري الذي لم يكن مجرد قائد للتنظيم، وإنما كان بمنزلة الأب الروحي والمرجعية الفكرية له، لما كان يتمتع به من خبرة واسعة على المستويين الفكري والتنظيمي، إلى جانب تاريخه الطويل في العمل الجهادي الممتد منذ ستينيات القرن الماضي وحتى مقتله.
وما قد يعمق هذه الأزمات أن مقتل الظواهري جاء في وقت يعاني فيه التنظيم الأم حالة من الضعف، جراء اختفاء معظم قياداته التاريخية الفاعلة، سواء بسبب القتل أو الاعتقال، وصعوبة ممارسة الأعمال التنظيمية التقليدية، بسبب التضييق الأمني المفروض عليه، وحالة الشيخوخة التي ضربته بسبب تجاوز أعمار الباقين من قادته الستين أو السبعين عاماً، بالتزامن مع عدم وجود جيل جديد من الشباب يمكنه إكمال المسيرة.
وبرغم تعدد هذه الأزمات، فإن هناك أزمتين ربما تحددان بشكل كبير مستقبل التنظيم: الأولى، أزمة القيادة، فبرغم وجود بعض القيادات التي تتمتع بالخبرة التنظيمية والعسكرية، فإنه سيكون من الصعب عليهم ملء الفراغ الذي خلّفه مقتل الظواهري، الذي كان يمتلك، بالنسبة لأتباع التنظيم، شهرة ومكانة “تنظيرية” قد لا تمتلك مثلها هذه القيادات، ومن ثم قد يجد التنظيم نفسه أمام قيادة فقيرة فكرياً وتنظيرياً وتنظيمياً.
وثاني هاتين الأزمتين، علاقة التنظيم بفروعه الموجودة في أكثر من مكان، فعلاقة هذه الفروع بالتنظيم الأم قامت منذ مقتل أسامة بن لادن على قناعتها بشخصية الظواهري وشهرته على الساحة الدولية أكثر من قناعتها بأهمية الانضمام للتنظيم ذاته، وهو ما قد يدفع هذه الفروع إلى التردد في إعطاء “البيعة” للقيادة الجديدة التي قد تخلف الظواهري، خاصة إذا لم تكن هذه الأخيرة على نفس مستوى الظواهري فكراً وتنظيراً، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إما إلى انفصال هذه الفروع والسعي إلى تكوين تنظيمات مستقلة، أو إلى سعيها إلى السيطرة على التنظيم الأم ذاته، ولاسيما أن بعضها يرى أنه يمتلك من القوة ما يؤهله لذلك.
إن فشل تنظيم “القاعدة” في التعامل مع مثل هذه الأزمات، قد يدفعه إلى مستقبل مجهول، فمجيء قيادة جديدة تفتقر إلى القدرات الفكرية والتنظيمية، قد يؤدي إلى تحول التنظيم إلى مجرد “لافتة” لا يمتلك من القدرات العسكرية ما يؤهله لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، ولا حتى قدرات فكرية تساعده على طرح رؤى وأفكار جديدة يستطيع من خلالها جذب أنصار وأتباع جدد والتأثير في الفروع وربطها به، وهو ما يوحي بأن التنظيم قد يدخل حالة من الضعف ربما تؤثر في وحدته وتماسكه، وخاصة في ظل الغموض الذي يلف طبيعة علاقته بفروعه خلال المرحلة المقبلة.