بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- يخطئ من يعتقد أن زيارة بيلوسي إلى تايوان كانت قراراً أحادياً اتخذته رئيسة مجلس النواب الأمريكي، رغم معارضة “البنتاغون” والبيت الأبيض، انطلاقاً من نزعة الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، إلى التشدد أكثر حيال الصين فحسب، بغض النظر عن المخاطر المحتملة للزيارة بإشعال حرب جديدة في تلك المنطقة.
ما هو واضح حتى الآن أن الزيارة قد تم التخطيط لها بدقة متناهية، بدءاً من عدم إدراجها في جدول الأعمال المعلن، وإبقائها في دائرة الغموض حتى اللحظة التي حطت فيها طائرة بيلوسي، المتابعة من كل الجهات المعنية، في مطار تايبه، تحت أنظار العالم. وسواء كان ذلك جزءاً من سياسة “الغموض الاستراتيجي” التي تنتهجها واشنطن حيال تايوان، أو ترجمة عملية لسياسة حافة الهاوية، فإنه من دون شك، سيضع قواعد جديدة للصراع الدائر بين واشنطن وبكين حول جزيرة تايوان وبحر الصين الجنوبي. يعتمد ذلك على رد الفعل الصيني، الذي لن يقتصر بالتأكيد على التحذيرات والتهديدات العسكرية من دون أن يصل في المرحلة الراهنة إلى إشعال حرب مع الولايات المتحدة، لكنه قد يأخذ أشكالاً أخرى تبدأ بمحاصرة تايوان وفرض عقوبات عليها، وهي قد بدأت بالفعل، وربما يتطور الأمر إلى مناوشات واشتباكات عسكرية لا تصل إلى حد الهجوم الشامل على الجزيرة. كما أنها قد تأخذ شكل حرب اقتصادية جديدة بين أكبر عملاقين اقتصاديين في العالم، وقد تقوم الصين، بحسب المحللين، بسحب جزء مهم من استثماراتها في الولايات المتحدة، مع كل المحاذير التي قد يتأثر بها اقتصاد الجانبين في هذا المجال. لكن على الجانب الآخر، ثمة من يرى الأمور بصورة مغايرة، فمع إدراك واشنطن أن العالم الآن لا يحتمل حرباً جديدة على غرار ما يحدث في أوكرانيا، إلا أنها كانت بحاجة إلى هذا النوع من المغامرة، لأسباب داخلية وخارجية، فمن جهة كانت تدرك أن أحداً لا يريد الحرب، وأن المسألة لا تتعلق فقط بما تسميه تأكيد الالتزام الأمريكي بدعم الديمقراطيات والحلفاء في جنوب شرق آسيا، وإنما في توظيف هذه الزيارة، من جهة أخرى، في تحقيق إنجازات هي في أمس الحاجة اليها مع اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية. وهناك مستويان لرؤية هذه الإنجازات، الأول يتعلق بصورة إدارة بايدن الحالية التي يشوبها الضعف والتردد في نظر العالم، خصوصاً بعد انسحابها من أفغانستان، وعجزها عن المواجهة المباشرة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. والمستوى الثاني يتعلق بنانسي بيلوسي، التي ترجح التقديرات انتهاء رئاستها لمجلس النواب، مع عودة الجمهوريين للسيطرة على مجلسي الكونغرس، وبالتالي اختتام ولايتها بإنجاز تاريخي يخلدها في ذاكرة الديمقراطيين الأمريكيين. ومن هنا لا يمكن اعتبار زيارة بيلوسي إلى تايوان مجرد زيارة عفوية أو تعبيراً عن الصداقة والسلام، كما تقول، بقدر ما كانت تستهدف تحقيق إنجاز ديمقراطي أمريكي، يواكب توقيت الإعلان عن قتل زعيم “القاعدة” أيمن الظواهري، حتى وإن كان شعب تايوان هو من سيدفع ثمن هذه السياسات في نهاية المطاف.