بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم– لا تكمن أهمية الاتصال الهاتفي بين وزيري الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن والروسي سيرغي لافروف الجمعة، في كونه الأول من نوعه بين الرجلين منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 شباط (فبراير) الماضي، ولا في العنوان المعلن له وهو إنجاز صفقة تبادل للسجناء تستعيد بموجبها الولايات المتحدة نجمة كرة السلة بريتني غرينر والجندي السابق في مشاة البحرية الأمريكية بول ويلان، بينما تطلق أمريكا في المقابل تاجر الأسلحة الروسي فيكتور بوت.
إن أهمية الاتصال تكمن في المضمون غير المعلن، والذي لا بد أنه تطرق إلى وسائل خفض التصعيد في أوكرانيا، واستكشاف إمكانات البدء في حوار يفضي إلى تسوية سياسية لأزمة تهدد بالتحول إلى حرب استنزاف لكل من روسيا والغرب على حد سواء. وأزمتا الطاقة والغذاء هما مثال لما ينتظر العالم من كوارث إذا لم تتوقف الحرب.
الجدير بالملاحظة، أن المكالمة بين بلينكن ولافروف، أتت عقب التوصل الأسبوع الماضي إلى اتفاق إسطنبول بين روسيا وأوكرانيا لمعاودة تصدير الحبوب المكدسة في ثلاثة موانئ أوكرانية، وذلك برعاية تركية وأممية. ومن المؤكد أن واشنطن كانت الطرف غير المعلن في المفاوضات التي سبقت الاتفاق.
وبكلام آخر، قد يشكل اتفاق الحبوب، نوعاً من الاختبار لاحتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف النار وبدء مفاوضات جدية بين روسيا وأوكرانيا تحصل بموجبها موسكو وكييف على ضمانات أمنية، تهدئ هواجس القلق لدى الجانبين.
القراءة الواقعية للميدان الأوكراني، تدل الى أن روسيا لن تكون قادرة على تحقيق نصر حاسم، بينما أوكرانيا لن تكون في موقع يمكنها من استعادة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الروسية، حتى ولو حصلت على المزيد من الدعم العسكري والمالي الغربي. وباتت العقوبات الغربية تعود بضرر أكبر على أوروبا والغرب عموماً أكثر مما تؤذي روسيا، كما أن الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم على وشك الدخول في ركود اقتصادي، والدول الأوروبية تجتاحها أسوأ موجة تضخم منذ عقود، وتكافح للتغلب على النقص في الغاز الروسي قبل فصل الشتاء، وتطلب من مواطنيها التقنين الى أقصى ما يستطيعون في استخدام الكهرباء. وهناك أكثر من 345 مليون شخص في العالم، بحسب أرقام الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية، تتهددهم المجاعة في حال لم تعاود روسيا وأوكرانيا تصدير الحبوب والزيوت والأسمدة.
أمام واقع كابوسي كهذا، ماذا يمكن الانتظار بعد حتى تقتنع الأطراف المعنية بالأزمة، أن الاستمرار بالحرب، بات بمثابة عناد لن يقود سوى إلى واقع أكثر سوءاً، ولن يخرج منه منتصر.
أمريكا، عليها أن تتقبل واقع انهيار النظام الذي قام على الآحادية القطبية بعد انتصارها في الحرب الباردة قبل 30 عاماً.
وروسيا، التي دفعت ثمناً فادحاً في الأرواح والعتاد من أجل زعزعة هذا النظام، حققت جزءاً من أهدافها، لكن لا يمكنها أن تمضي إلى ما هو أبعد، إلا من طريق الحوار.
وأوكرانيا، التي تبدو الخاسر الأكبر في الحرب، لا يمكنها تحمل المزيد من الخسائر في حال استمر القتال أو تطور نحو حرب يتورط فيها حلف شمال الأطلسي، لأن مثل هذا التطور سيدفع روسيا إلى استخدام قواها النووية التكتيكية لمنع الغرب من تدميرها، أما ماذا يحصل بعد ذلك إذا ما قررت أمريكا الرد بالمثل، لا بد أن الحضارة البشرية ككل سيكون مصيرها على المحك.
ومن أجل الحؤول دون الوصول إلى سيناريوات التدمير المتبادل بين روسيا والغرب، يتعين العمل بشكل حثيث على وقف الحرب وإحياء الدبلوماسية من أجل إنقاذ الإنسانية بالدرجة الأولى، لأن البديل هو حروب من النوع الذي لم يشهد العالم مثيلاً له، ولن يبقى بعده من يكتب التاريخ.