بقلم: مصطفى النعمان – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- صار مفهوماً بعد صدور إعلان السابع من أبريل (نيسان) 2022 أن التحالف العربي قرر الدفع نحو مسار إنهاء الحرب المستعرة منذ 26 من مارس (آذار) 2015.
كانت البداية بإعلان الهدنة الأولى التي وافق عليها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي قبل بدء مشاورات الرياض الأخيرة، ثم الدخول في الهدنة الثانية التي وافق عليها مجلس القيادة الرئاسي المعين بموجب الإعلان. والآن تدور مباحثات الساعات الأخيرة لتمديدها لمدة ربما، وهو المؤمل، تكون أطول من سابقتيها.
معروف أيضاً أن الهدنة الأولى والثانية تماسكتا إلى حد كبير عسكرياً على الرغم من الخروقات بقصف بعض الأحياء في تعز واستمرار حصار مأرب وكذلك تعطل الرحلات إلى القاهرة لأسباب أمنية، لكن هذه الإجراءات عادت بفائدة كبيرة على المواطنين الذين كانوا يعانون الأمرين في رحلة عذاب من صنعاء إلى عدن للخروج من اليمن، كما سُمح لعدد من سفن نقل المشتقات النفطية بدخول ميناء الحديدة. على الرغم من ذلك لم تكفِ هذه التسهيلات لإقناع الحوثيين بفتح الطريق الرئيس الذي يربط بين المدخل الشمالي لمدينة تعز (الحوبان) ووسطها. صحيح أن الحوثيين عرضوا بدائل كان من الممكن لها تخفيف المعاناة لكنها كانت أقل بكثير من حاجات الناس اليومية وستبقى مصدراً للمعاناة والتكلفة المرتفعة.
أعود إلى قضية الهدنة وأهمية استمرارها مهما كانت المعوقات وعدم الالتزام بها حرفياً، فهي في كل حال تسهم في هدوء وطمأنة المواطنين في اليمن والجوار، كما أنها تقلص المخاطر التي كان المواطنون يتعرضون لها طيلة سبع سنوات، وتهيئ المناخات لمساعي حل النزاعات المحلية وتساعد على تنقل الناس دون قلق وبلا خوف، كما أنها سانحة عظيمة للتفكير بهدوء وروية بحثاً عن المدخل الطبيعي إلى مشاورات بين الأطراف مع التذكير بأن الحرب لم تعد دائرة بين طرفين فقط، كما بدأت، لأنها أنتجت أطرافاً جديدة لم تكن مشاركة فيها منذ يومها الأول وتكاثرت بسبب طول أمد القتال.
لقد اقتنع الجميع في الإقليم بخاصة السعودية بالدخول في مسار التهدئة والتعويل عليها لجلب الجميع إلى طاولة المشاورات والبحث في المخارج التي يتوجب على الأطراف اليمنية إدراك حجم التنازلات التاريخية التي يجب أن يقدمها الجميع للتوصل إلى اتفاق. وبعيداً من الغموض فإن على جماعة أنصار الله الحوثية مسؤولية تاريخية ووطنية وأخلاقية لإبداء جديتها في تقديم المصلحة الوطنية على ما عداها، وذلك بأن يعلنوا صراحة وبداية بعدم جواز استخدام السلاح وسيلة لحل الخلافات السياسية والاستيلاء على الحكم وإنما للدفاع عن الوطن وسيادته.
في نفس المقام فمن المهم أن أعود وأكرر ما ذكرته في هذه المساحة بأن التركيبة التي فرضها إعلان السابع من أبريل حين تشكل مجلس القيادة الرئاسي هي سلاح ذو حدين. صحيح أنه يضم القوى الرئيسة المسلحة التي لها خصومة معلنة مع الحوثيين وبه أيضاً تمثيل مناطقي معقول، لكن في المقابل فإن أعضاءه الذين لم يلعبوا أي دور في صياغة تشكيلة الحكم الحالية غير منسجمين في الوسيلة والغاية من التوصل إلى حل يفضي إلى إنهاء الحرب.
فعلى سبيل المثال فإن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يمثله اللواء عيدروس الزبيدي له تطلعات سياسية معلنة على الرغم من تناقضها مع موقعه في مجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل الجمهورية اليمنية وهذا أمر لا يخفيه ولا أظن أن أحداً يستطيع إنكاره أو التغاضي عنه، وستظهر تعقيدات هذه الازدواجية سريعاً عند البدء في الحديث عن تشكيل وفد المشاورات المقبلة التي أتمنى وإن كنت لا أظنها قريبة الحصول. هنا يجب التذكير أن الهدنة الحالية تركز على مناطق التماس في المحافظات الشمالية وتحديداً في تعز ومأرب.
يقال “إن الحاكم الذي لا يغضب أحداً لا يحكم أبداً”، بالتالي فإن التمسك بالتوافق عند إصدار القرارات داخل المجلس أمر مثالي لكنه لن يقوى على التصدي للقرارات المهمة ولا عند حسم القضايا الوطنية الكبرى، وإذا كان بيان السابع من أبريل قد منح فرصة اللجوء إلى بديل آخر هو التصويت على كل قضية لا يتم التوافق عليها، فمن الواجب التحذير بأن ذلك الأمر سيحدث شروخاً في طريقة إدارة المجلس لصعوبة وربما استحالة إرضاء قوى سياسية متناقضة الأهداف والتبعية.
ستكون الهدنة المقبلة اختباراً أخلاقياً ووطنياً لقادة الحرب والمروجين لها وسيصبح التعامل معها مؤشراً حول رغبتهم الحقيقية في السلام الذي يتمناه اليمنيون الذين يدفعون الثمن الأكبر من أرواحهم وحاضرهم ومستقبل أطفالهم. وإذا ما تمكن هؤلاء من الارتفاع بمنسوب صحوة ضمائرهم وتخلوا عن اتخاذ الحرب وسيلة للإثراء والارتزاق فسيصبح التوصل إلى هدنة طويلة أمراً ممكناً.
تستهوي كثير من المروجين والمبررين لضرورة ديمومة الحرب، حتى يتمكنوا من إقصاء خصومهم، فكرة البحث عن الأسباب التي يمكن أن تفسد كل مساعي السلام، ومن السخرية أن أغلبهم يعيشون بعيداً من مرمى القذائف والصواريخ وهذا منحى فيه تعبير عن عدم الشعور بما يعانيه الناس في الداخل، كما أن الحديث المستمر عن الخطر الداهم الذي يشيعونه ويقولون إن المنطقة ستدفع ثمنه فيه استخفاف بقدرة دول الجوار على الدفاع عن أراضيها وأنها عاجزة عن تقدير المخاطر التي ستتعرض لها.
من الطبيعي والمنطقي أن تعمل كل الأطراف لتستفيد من الهدنة لإعادة ترتيب أوضاعها الميدانية والتفرغ لتحشيد قواها استعداداً لأي معارك مقبلة إذا فشلت التحركات الدولية والإقليمية، على الرغم من أن المزاج الإقليمي لم يعد في وارد التساهل لضمان استمرارها لأسباب لا يجهلها أحد، فقد أصبحت الحرب مكلفة للغاية اقتصادياً وسياسياً وصار إيقافها فوراً مطلباً أخلاقياً وإنسانياً، وعلى من لا يرغبون في ذلك عدم الاستخفاف بحياة الناس وفقرهم وجوعهم وأمراضهم.