بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لم تفلح سياسة الغموض “الاستراتيجي” التي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بشأن تايوان في ثني الصين عن موقفها الثابت بأن الجزيرة جزء لا يتجزأ من أراضيها ولم تتخلّ مطلقاً عن عزمها لاستعادتها بالقوة، إذا لزم الأمر، في حال فكرت بإعلان الاستقلال بدعم من واشنطن والدول الغربية عموماً.
وحتى لا نعود كثيراً إلى الوراء، نشير فقط إلى أن تايوان كانت جزءاً من الصين قبل أن يسيطر الحزب الشيوعي على البر الصيني ويتراجع القوميون لتأسيس سلطة لهم في الجزيرة تحت اسم جمهورية الصين الوطنية عام 1949، والتي حظيت باعتراف الأمم المتحدة حتى عام 1971، حين انتزعت بكين الاعتراف الأممي بها وأصبحت عضواً دائماً في مجلس الأمن بدلاً من تايوان. مياه كثيرة جرت، منذ ذلك التاريخ، بين الصين، من جهة، وتايوان وداعميها الغربيين من جهة أخرى، تخللها مصادمات وتهديدات متبادلة خصوصاً في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، على الرغم من انتزاع بكين أيضاً اعترافاً من العالم الغربي بمبدأ “صين واحدة” وعدم إضفاء أي شرعية دولية على المؤسسات القائمة في تايوان. اليوم تزداد الأمور تعقيداً، ففي ظل سياسة الغموض الاستراتيجي والخلافات المتفاقمة بين بكين والغرب، وفي ظل سعي واشنطن لمحاصرة الصين وإضعافها عبر تشكيل أحلاف أمنية عسكرية على غرار حلفي “كواد” و”ايكوس”، وتزايد المصادمات والتحرشات المتبادلة في بحر الصين الجنوبي، رفعت الصين راية التحدي وحذرت من أنها مستعدة لاستخدام القوة لاستعادة تايوان حتى لو أدى ذلك إلى اشتعال الحرب مع واشنطن وحلفائها. ويأتي الإعلان عن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى مجموعة دول في جنوب شرقي آسيا واحتمال زيارتها إلى العاصمة التايوانية تايبيه ليشعل الغضب الصيني ويرفع منسوب احتمال اللجوء للقوة إلى أعلى المستويات. ولم تفلح أكثر من ساعتين من الحوار يوم الخميس الماضي بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في تخفيف حدة التوتر والخلاف حول تايوان، بل انتهت قمة الرئيسين على نوع من التحذيرات المتبادلة، حيث حذر الرئيس الصيني نظيره الأمريكي صراحة من “اللعب بالنار” بشأن تايوان، بينما حذر الرئيس الأمريكي بالمقابل من أي إجراءات صينية أحادية. وسط هذه الأجواء، ظل الغموض المتعمد يخيم على زيارة بيلوسي بذريعة الأسباب الأمنية، لكنه في الواقع، غموض يخفي وراءه الكثير من التساؤلات حول وجود خلافات أمريكية داخلية، سواء داخل الإدارة الديمقراطية ذاتها، حيث البيت الأبيض والبنتاغون لا يرغبان بهذه الزيارة، بينما ترى أجهزة الاستخبارات في تخلي بيلوسي عن هذه الزيارة إضعافاً لواشنطن وتخلياً عن دعم الحلفاء، خصوصاً وأن التقييمات الأمنية ترجح أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تشجع الصين أكثر على استعادة تايوان بالقوة، أو بين الديمقراطيين والجمهوريين مع اقتراب الانتخابات النصفية، والمخاوف من استغلال الجمهوريين لأخطاء الإدارة الديمقراطية وارتباكها في اكتساح تلك الانتخابات، وبالتالي فإن حالة عدم اليقين السائدة في واشنطن ستبقي تايوان تحت اختبار القوة حتى إشعار آخر.