بقلم: فيصل عابدون – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- على الرغم من أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي ليست المسؤولة الأمريكية الوحيدة التي قررت أو قامت فعلاً بزيارة تايوان، إلا أن مجرد إعلان اعتزامها زيارة الجزيرة كان كافياً لإثارة العواصف في كل مكان، بدءاً من البنتاغون والبيت الأبيض نفسه وحتى بكين، التي هددت قيادتها وتوعدت بأقصى وأقسى أنواع ردود الفعل العسكرية والسياسية في حال إتمام الزيارة.
وظهر التردد واضحاً على الرئيس بايدن، ورفض تقديم الدعم لزيارة بيلوسي الى تايوان، بعدما أدرك العمق الكامن وراء الخطوة، خاصة وأن بيلوسي عبرت عن رغبتها في استخدام طائرة عسكرية للطيران إلى الجزيرة، وقال بايدن إن الزيارة “ليست فكرة جيدة بنظر الجيش الأمريكي”، فيما وصف ضباط في الجيش الخطوة بانها تبدو مثل عملية عسكرية، أما الصين فقد كشرت عن أنيابها بشكل لم يشهده تاريخ التوتر الصيني الأمريكي حول تايوان.
ولا شك أن الصدمة الدولية التي أحدثها إعلان رئيسة النواب الأمريكي تتعلق بالشخصية نفسها أكثر بكثير من ارتباطها بالمنصب الدستوري، فبيلوسي امرأة قوية الشكيمة، جريئة وعنيدة ومشاكسة، وهي تمارس سلطتها السياسية باحترافية وجفاء عدائي من دون كثير اكتراث بارتفاع أو انخفاض الشعبية، أو مشاعر الحب والتعاطف والكراهية إزاء قراراتها أو المهام التي تقوم بها عبر موقعها الرفيع في هرم السلطة الأمريكية.
برزت نانسي بيلوسي على مسرح السياسة الدولية خلال الفصول المثيرة لمعاركها العنيفة مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وفي واحدة من جولات تلك المعارك قامت بتمزيق النسخة الورقية لخطاب ترامب السنوي عن حالة الاتحاد، بعد لحظات من إكمال ترامب خطابه وبينما كان أنصاره الجمهوريون لا يزالون يصفقون لرئيسهم، وكانت تلك خطوة غير مسبوقة في نزاعات الكونجرس.
وقالت في تبرير تلك الخطوة الجريئة إن الخطاب كان مليئاً بالأكاذيب، موضحة أن الخطاب حمل تأكيدات الرئيس بحماية تغطية التأمين الصحي للمرضى الذين يعانون مشاكل صحية، بينما كانت إدارته تدعم دعوى قضائية تسعى لإلغاء قانون حماية هؤلاء المرضى، ووصفته بأنه مثل بائع زيت ثعابين، وأن خطابه لا يضم سطراً واحداً لا يحوى كذبة ما، وأن الرئيس يمزق الحقيقة تحت أعين النواب والشعب الأمريكي.
استمرت بيلوسي بعد ذلك في ملاحقة الرئيس السابق وزعزعة موقعه في البيت الأبيض عبر جولات تابعها العالم كله، وهي ملاحقات وصفها ترامب في مناسبات عدة بأنها تشبه مطاردات السحرة، ومع استمرار جولات المواجهة قدمت بيلوسي مشروع قانون لتشكيل لجنة تحقيق في قدرة دونالد ترامب على قيادة الولايات المتحدة بينما كان الرئيس لايزال يعالج من الإصابة ب”كورونا”.
وقالت بيلوسي حينها إن مشروع القانون يجيء في إطار التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي الذي ينص على تنازل الرئيس عن مقاليد السلطة لنائبه إذا لم يعد في وضع يسمح له بالحكم، ودون أن تتراجع خطوة واحدة في حربها المعلنة واصلت بيلوسي ملاحقة ترامب حتى بعد خسارته الانتخابات ورحيله عن البيت الأبيض، وحركت الدعوات القانونية لمحاكمته على هجمات الكونجرس.