الرئيسية / مقالات رأي / أوان الحكمة في العراق

أوان الحكمة في العراق

الشرق اليوم- يتعين على القيادات السياسية والمجتمعية العراقية  في هذه المرحلة بالذات  استدعاء رصيد الحكمة؛ لتجاوز التداعيات السلبية للأزمة الجديدة التي تطل برأسها على هذا البلد، ومحاصرتها، ومنع تمددها إلى مربعات العنف والاقتتال الدموي، فهذه اللحظة ليست لحظة الانجراف وراء المواجهة؛ بل هي بالضبط لحظة تغليب الحكمة؛ من أجل المحافظة على مصالح العراق وأمنه واستقراره ومستقبل شعبه.

مما لا شك فيه أن الشلل السياسي الذي يعانيه العراق من جرّاء مرور 10 شهور على الانتخابات التشريعية المبكرة من دون أن تتمكن القوى السياسية من الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، يثير أنواعاً مختلفة من التوترات، وهو شيء طبيعي ومتوقع في ظل صراعات السلطة، وغياب التوافق.

لكن يتعين على القادة والزعماء إظهار حرص شديد بألا يتحول هذا التوتر إلى نوع من أنواع المواجهة بين القوى السياسية وأنصارها، لأن خطوة من هذا النوع، تقود إلى إطلاق العنان للعنف غير المسيطر عليه، بما يحمله من مآسٍ يصعب تجاوزها، وما يخلّفه من ثأرات ونوازع انتقام؛ فصراعات الدم دائماً تكون كُلفتها باهظة، ومكاسبها هزيلة.

وقد برزت، خلال احتجاجات السبت التي أعلن المتظاهرون خلالها اعتصاماً مفتوحاً في مقر البرلمان، مؤشرات مخيفة، يمكن أن تنقل التنافس السياسي السلمي إلى ساحات أخرى لا تجلب إلا الخراب للعملية السياسية، لا بل وتهدد بإطاحة مبادئ التعايش السلمي المتسامح في مجتمع متعدد الأعراق والديانات والمذاهب والثقافات، مثل المجتمع العراقي.

ولئن كانت هناك اعتراضات لدى بعض القوى السياسية، إزاء خطوة اقتحام المتظاهرين للبرلمان، فإنه لا ينبغي أن يكون رد المعترضين عبر تعبئة أنصارهم للمواجهة والتصدي، لأنه مهما تدثر هذا الرد بادعاءات حماية المؤسسات الحكومية، فإنه في الواقع يعادل الدعوة إلى نشوب حرب أهلية.

وعلى الرغم من أن قوى «الإطار التنسيقي» سارعت إلى التراجع عن البيان الداعي إلى المواجهة، قبل أن يتفاقم الوضع على الأرض، فإن الخطوة تدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الممارسة الديمقراطية، واحتمالات اللجوء إلى الحلول المتطرفة، بدلاً من الحوار في مواجهة التباينات السياسية.

لقد أثارت تطورات يوم السبت في بغداد، مخاوف حقيقية على مستقبل الاستقرار في العراق، وكان من الضروري أن تتصدى قيادات الدولة العراقية لمؤشرات الجنوح باتجاه العنف والمواجهات المفتوحة بين مؤيدي التيارات السياسية؛ لذا اتفقت كلمات الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي على أهمية الحوار، لمعالجة القضايا الخلافية بين الأطراف.

بإمكان القادة العراقيين  في هذه المرحلة  اعتبار أزمة السبت، المتناسلة عن أزمة الحكم القائمة، فرصة للنجاح، وليس طريقاً للفشل. فالمطالب الإصلاحية المشروعة، والدعوات المتكررة لمكافحة الفساد، وخلافات الأطراف على تشكيل الحكومة، كلها تمثل بنوداً مهمة على طاولة الحوار،

على أن تكون مصلحة العراق وشعبه، هي الأرضية التي ينطلق منها حوار الفرقاء، وأن تتحلى الأطراف المشاركة بالإرادة والحكمة والقدرة الخلّاقة على تقديم التنازلات الضرورية، بما يضمن استقرار ونجاح العملية السياسية.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …