بقلم: عهدية أحمد السيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- تتعرض روسيا لعقوبات غربية لم تتعرض لها أي دولة في العالم خلال العصر الحديث، ولكن على النقيض تحقق روسيا عائدات كبيرة من النفط والغاز الروسي، بينما تعاني الولايات المتحدة وأوروبا من أزمة تداعيات اقتصادية كبيرة، وعلى رأسها أمن الطاقة وارتفاع الأسعار.
من الواضح جلياً، أن استراتيجية المعسكر الغربي في صراعه مع القطب الروسي الصاعد من جديد، كانت استنزاف روسيا عبر الأزمة الأوكرانية، بينما كانت استراتيجية روسيا هي استنزاف المعسكر الغربي عبر تداعيات الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد الأوروبي والأمريكي.
ولا شك أن النتائج ظهرت مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، كما تواجه أوروبا تحديداً تحديات كبيرة في ملف أمن الطاقة، إنْ لم تجد بديلاً للغاز الروسي. تشارف الأزمة الأوكرانية على دخول حاجز الخمسة الأشهر، ونشاهد كمتابعين ومحللين للشأن السياسي تداعيات الأزمة على الغرب، حيث تعاني ألمانيا من أزمة اقتصادية بسبب الغاز، وطالت الأزمة قادة دول مهمة في أوروبا، حيث استقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، واستقال أيضا رئيس الوزراء الايطالي ماريو دراجي، وخسر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أغلبيته في البرلمان، وفي الولايات المتحدة يواجه الرئيس الأمريكي جو بايدن وحزبه “الديمقراطي” تحديات الانتخابات النصفية في الكونجرس، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، ما يهدد نتائج الانتخابات بالفشل لـ”الديمقراطيين”. ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طهران، ليلتقي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان.
ولا شك لم يقتصر اللقاء على تنسيق الملف السوري، بل تختلف المصالح مابين الأطراف الثلاثة، فبرأيي تستغل روسيا الطرفين في حربها ضد المعسكر الغربي، وكأنها توجه رسالة بأنها لاتزال موجودة في منطقة الشرق الأوسط، بينما تستغل إيران الأزمة الأوكرانية في صالحها، وتحديدا في أدوات تفاوضها حول الاتفاق النووي مع الغرب، كما تحدثت عدة مصادر اعلامية عن بيع ايران طائرات مسيرة لروسيا، لاستخدامها في عملياتها العسكرية بأوكرانيا، بينما تركيا تستغل الأزمة الأوكرانية في حربها مع الجماعات الكردية، فمن جانب استخدمت أدوات الضغط على رغبة فنلندا والسويد الانضمام لحلف “الناتو”، ومن جانب آخر استخدمت ذات أدوات الضغط على روسيا لمصلحة حربها ضد الأكراد.
شاهدنا فعالية كبيرة لروسيا في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، بعد أن انشغلت في الشهور الماضية في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، في استغلال لظرف التراجع الأمريكي في المنطقة، واستدارة واشنطن استراتيجيا في التعامل مع ملفات المنطقة، ما يعني احتمالية صراع نفوذ قادم في المنطقة ما بين موسكو وواشنطن، من خلال بوابة ملف عودة سوريا للجامعة العربية، وأعتقد أن مخرجات “قمة جدة للأمن والتنمية” شجعت روسيا على بحث الملف السوري، ما يأتي في صالح الدول العربية التي لا تتفق بشكل كامل مع التصورات الأمريكية. والخلاصة إن العقوبات على روسيا غير مسبوقة، والصراخ في الغرب غير مسبوق، والمنطقة العربية تمر بمرحلة تاريخية غير مسبوقة في توازن علاقاتها مع الشرق والغرب.