الرئيسية / مقالات رأي / تغيير جغرافية الحرب

تغيير جغرافية الحرب

بقلم: نبيل سالم – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- في تصريحات لافتة، وتعكس تعقيدات المشهد الأوكراني، في ظل تمادي الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، في صب الزيت على نار الحرب الأوكرانية، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن المهام الجغرافية للعملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية دونباس، قد تغيرت ولم تعد تقتصر على دونيتسك ولوغانسك فقط. وفي تصريحاته التي أدلى بها إلى وكالة «نوفوستي» الروسية للأنباء، وتلفزيون روسيا، أمس الأربعاء، أعلن لافروف أنه إذا زوّد الغرب أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى فإن جغرافيا العملية العسكرية الخاصة سوف تمتد أوسع، وذلك في تلميح على ما يبدو إلى احتمال أن تستهدف روسيا مناطق أبعد في أوكرانيا، قد تصل إلى العاصمة الأوكرانية كييف، ومراكز صنع القرار الأوكراني، وهو ما كانت روسيا قد هددت به في وقت سابق.

 وأشار الوزير الروسي إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد تكونان موجودتين على مسافة آمنة، بينما يتضرر الاقتصاد الأوروبي وحده، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تتصرف على نحو غير مسؤول، وأنها لا تريد الحوار.

 وهذا الكلام على ما يبدو تذكير بخطورة ما يقوم به الغرب من ممارسات غير مسؤولة على الساحة الأوكرانية، وتداعيات السياسات الغربية المتهورة، إذ قال لافروف «إنه لا يوجد منتصر في الحرب النووية، وأنه لا يجوز أن تندلع تلك الحرب أبداً»، بيد أن الوزير الروسي وجه تهديداً مبطناً للقوى الغربية، قائلاً: «إن العقيدة العسكرية الروسية تفسر بصراحة الحالات التي يتعين فيها اللجوء إلى استخدام القوة النووية».

 وشنّ الوزير الروسي هجوماً لاذعاً على المسؤولين الأوكرانيين، متهماً الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو بالخداع، حيث تعهد بإرساء دائم للسلام في دونباس لكنه شنّ جولة جديدة من الحرب، وذكر أن الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي الذي جاء بعده إلى السلطة تعهد أيضاً بعودة السلام إلى أوكرانيا ودونباس والاعتراف بجميع حقوق المواطنين، إلا أنه عاد ونكث وعوده.

 وقال لافروف إن النخبة السياسية الجديدة في الغرب هي نخبة محدودة الكفاءة بشكل جزئي من حيث الخبرة السياسية وسعة النظر.

 والحقيقة أن تصريحات وزير الخارجية الروسية تثبت أن الحرب الأوكرانية قد تفلت من عقالها، في ظل الاستكبار والغطرسة التي يمارسها الغرب تجاه روسيا، تلك الدولة الكبرى، التي من الخطورة جداً تجاهل مصالحها، ولا سيما المتعلقة بأمنها القومي. وهو ما حذرت منه موسكو الغرب مراراً وتكراراً، لكن القوى الغربية التي استهوتها فلسفة القوة واللعب بمصائر الشعوب كانت تصم آذانها دائماً عن التحذيرات الروسية، ظناً منها أن روسيا التي ورثت مكانة الاتحاد السوفييتي السابق، وموقعه على الساحة الدولية، ضعيفة أو تحتاج إلى وقت طويل من أجل التعافي بعد كارثة الانهيار السوفييتي، حيث مارس الغرب سياسات الابتزاز تجاه روسيا، وهي سياسات ساذجة أثبتت الأيام مدى عقمها، بل وخطورتها، لكن القوى الغربية، وكما يقول لافروف، لا تستطيع التوفيق بين حقيقة أنها أخطأت، وبين ما يتعين عمله للخروج من الأزمات التي تصنعها، وأن الشعوب في الدول النامية تتذكر ما اقترفه الأمريكيون في يوغوسلافيا والعراق بينما كانت أوروبا صامتة، في حين تقوم روسيا بعمليتها العسكرية الخاصة بسبب التهديد الوجودي المباشر للأمن القومي الروسي والذي حذرت منه منذ زمن بعيد.

 ويذكّر المسؤول الروسي بصوابية القرار الروسي بشأن العملية العسكرية في أوكرانيا، والتي كانت حتمية حسب قوله، بسبب الممارسات التي مارستها السلطات الأوكرانية بحق المواطنين وتقويض قرارات مجلس الأمن بشكل علني ومباشر.

 وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن أكثر من مرة بأنه لا يمكن القبول بوجود أي مخاطر على الحدود الروسية بالقرب من أوكرانيا، وهو ما تستمر في مواجهته في إطار عملياتها العسكرية، وأنها ستعمل على ذلك مهما تطلب ذلك من جهد ووقت.

 وفي ظل هذا الواقع المتأزم بين روسيا والغرب مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ثمة تساؤلات تطرح نفسها، لعل أبرزها: إلى أين ستتجه العلاقات بين الجانبين؟ وما تأثير ذلك على الأمن والسلم الدوليين، والأوضاع الاقتصادية في العالم؟ ولا سيما الدول الأوروبية، التي تنقاد حسب الأوامر والرغبات الأمريكية، متجاهلة حتى مصالحها الخاصة ولا سيما الاقتصادية، حيث تشهد العديد من الدول الأوروبية أزمات اقتصادية حادة، ويتوقع أن تكون أوروبا الأكثر تضرراً من النزاع الجاري، نظراً لطبيعة التشابكات التجارية بين «طرفي النزاع من جانب وبين سائر دول القارة، وأن تكون الاقتصادات الناشئة أقل تأثراً بتداعيات الحرب من الاقتصادات المتقدمة».

 أخيراً، يمكن القول إن الغرب الذي تجاهل عن عمد المطالب والمخاوف الروسية المشروعة سيدفع الثمن فيما لو استمرت هذه الحرب التي يقوم بصب الزيت على نارها، وأن النار التي تلامس أثواب الدول الغربية ستحرقها بالكامل، فيما لو اتسع نطاق هذه الحرب، أو تحوّل إلى صراع نووي لن يكون فيه منتصر أبداً، كما أعلن لافروف، فهل ستدرك القوى الغربية خطورة ما تقوم به في أوكرانيا، أم أنها ستبقى مسيّرة عمياء خلف مصالحها الأنانية، التي ترسمها الولايات المتحدة، التي تصّر على استمرار هيمنتها على العالم مهما كان الثمن؟

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …