بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- ما قاله رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، مؤخراً، عن نهاية الهيمنة الغربية على الساحة الدولية، يصلح لأن تقوم الدول الغربية بمراجعة موضوعية لسياساتها ومواقفها تجاه التحولات الجارية في العالم، وطبيعة النظام الدولي الجديد الآخذ في التشكل منذ ما قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية مروراً إلى ما بعدها.
وعلى عكس ما تتمناه الدول الغربية، وتصّر عليه واشنطن بالإبقاء على تفردها في قيادة الساحة الدولية باعتبارها القطب الأوحد، بلا منازع، فإن مؤشرات التغيير ظهرت قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية؛ حيث كان النظام الدولي يتأرجح بين السير نحو عالم متعدد الأقطاب، والإبقاء على عالم أُحادي القطب بقيادة الولايات المتحدة.
ومن بين هذه المؤشرات؛ الفشل في احتواء الصين الصاعدة بقوة اقتصادياً وعسكرياً، والتي بدلاً من العمل على تحييدها، تم خوض حروب تجارية معها، وفرض عقوبات عليها، وتشكيل الأحلاف المناهضة لها، لمحاصرتها، ومنعها من السيطرة على بحر الصين الجنوبي، وإبقاء تايوان شوكة في خاصرتها، مفتوحة أمام التدخل الغربي.
وبعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، خسر الغرب الرهان في إبعاد الصين عن روسيا؛ بل أدت السياسات الغربية إلى تمتين التحالف القائم بينهما، وسرّعت من سعي الجانبين إلى تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، من المؤكد أنهما ستؤديان فيه دوراً محورياً تجاه مجمل القضايا الدولية.
هذا الصعود للقطبين القادمين، لم يكن بمنأى عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي هزت الأمن الغربي عموماً، وقلبت مفهوم الأمن الأوروبي رأساً على عقب، وسيكون له تداعياته على العالم بأسره، حتى إن بليرنفسه اعتبر أن “العالم يمر بمرحلة تحول في التاريخ، يمكن مقارنتها بنهاية الحرب العالمية الثانية أو انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن هذه المرة وبوضوح الغرب ليس في الكفة الراجحة”.
بهذا المعنى، فإن ما بعد انتهاء الأزمة الأوكرانية يحمل إمكانية حدوث تغيير جيوساسي، واصطفافات جديدة في أوروبا والعالم، قد تضع العالم الغربي في موقف أضعف؛ حيث إن هناك دولاً عدة رفضت إدانة العملية الروسية في أوكرانيا، ومن بينها الهند ومجموعة دول “بريكس”، وهما مرشحتان لأن تؤديا دوراً في النظام العالمي قيد التشكل. لكن الأهم من ذلك، هو انكشاف حقيقة المواقف الأوروبية غير الموحدة، في ظل إحكام واشنطن قبضتها على ضفتي الأطلسي، الأمر الذي يتناقض مع نزعة الاستقلال الأوروبية. وهناك الكثير من المؤشرات على أن العالم الغربي قد لا يبقى كتلة واحدة، بمعنى أن دول الاتحاد الأوروبي لديها مصالح ورؤى وأولويات مختلفة عن نظيرتها الأمريكية، وقد يؤدي ذلك، في المرحلة المقبلة، إلى تمرد أوروبي على هيمنة واشنطن في توجهات القارة العجوز. المؤكد الآن، أن ما قبل الأزمة الأوكرانية لن يكون كما بعدها، وأن هناك قوى عظمى صاعدة، تقف في مواجهة المحور الغربي الأطلسي، وبات من المرجح أن تضع حداً لهيمنة هذا المحور، من دون الانجرار إلى حروب نووية مدمرة، لكنها باتت تفرض إيقاعها على شكل النظام العالمي الجديد.