الرئيسية / مقالات رأي / الصّدر … لماذا يكسب تعاطف العراقيّين؟

الصّدر … لماذا يكسب تعاطف العراقيّين؟

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم- بعث زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من خلال احتشاد مئات الآلاف من مؤيديه في صلاة الجمعة في 15 الجاري التي دعا إليها في مدينة الصدر، برسالة قوية إلى القوى السياسية العراقية، خصوصاً تلك المنضوية في “الإطار التنسيقي”، التي تحاول من دون جدوى تأليف حكومة عراقية جديدة بعد تسعة أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة.

أراد الصدر أن يثبت للتنسيقيين بالدرجة الأولى أنه لم ينسحب من المشهد السياسي، وإن كان نوابه قد استقالوا من البرلمان الجديد، بعدما نجحوا في عرقلة جهوده لتأليف حكومة غالبية وطنية لا حكومة توافقية، كما جرت العادة منذ عام 2005. وكدليل إلى ذلك، رفع الصدر من لهجته في مواجهة الأحزاب العراقية الموالية لإيران، من خلال الدعوة صراحة إلى حل جماعات الحشد الشعبي في المناطق التي لا وجود لتنظيم “داعش” فيها، وإلى محاسبة السياسيين العراقيين الفاسدين.

واعتبر الصدر أن أي حكومة توافقية ستكون محكومة بالمحاصصة الحزبية، التي أفضت إلى استشراء الفساد في البلاد، وكانت عائقاً أمام بناء مؤسسات فعلية في العراق، لا سيما تلك التي يحتاجها المواطن العراقي لتسيير شؤونه اليومية بالحد الأدنى من مقومات الحياة.

وحكومة الغالبية الوطنية، هي دعوة غير مباشرة من الصدر إلى استثناء الأحزاب الموالية لإيران من المشاركة فيها. وأتى الرد على هذه الدعوة بتعطيل جلسات البرلمان الجديد، لأن الإطار التنسيقي كان يملك الثلث المعطل فيه.

وعلى رغم مرور أسابيع على استقالة الكتلة الصدرية من البرلمان، فإن الأحزاب العراقية التي تمثل الأجنحة السياسية لفصائل الحشد الشعبي، أخفقت في الاتفاق في ما بينها على اسم الشخصية التي يجب تسميتها لمنصب رئيس الوزراء. ولا بد من أن الخلافات تدور حول حصة كل حزب من الحكومة المقبلة.

ودفعت الانقسامات بين الصدر والجماعات المتحالفة مع إيران وكذلك الأكراد، الذين يتنافسون على منصب الرئيس العراقي، البلاد فعلاً إلى البقاء لثاني أطول فترة من دون حكومة منتخبة.

وتخشى أحزاب الإطار التنسيقي أن يعمد الصدر إلى مواجهة أي حكومة جديدة لا يرضى عنها في الشارع، وأن يعمل على إسقاطها بواسطة الاحتجاجات، في مشهد يعيد تكرار الحراك الشعبي الذي انطلق في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، وكان سبباً في استقالة حكومة عادل عبد المهدي، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وبعد رسالة عرض القوة الجمعة الماضي، لا بد من أن خصوم الصدر قد تلقفوها جيداً. وإذا لم يسارعوا إلى الاتفاق على الحكومة الجديدة، فإن الانقسامات في ما بينهم ستزداد، وتالياً يدفع ثمنها المواطن العراقي المحروم من الكهرباء والماء والاستشفاء.

ولا شك في أن الصدر نجح في مخاطبة حاجات العراقيين البسطاء، بعيداً من الشعارات الكبرى التي تتحدث عن مؤامرة وعن تخوين كل من يطالب بأولوية لقمة العيش، والابتعاد من سياسة جعل العراق ساحة نفوذ إقليمي ودولي، خصوصاً بين إيران وأميركا.

وعرف الصدر كيف ينتهج طريقاً ثالثاً يمنح فيه الأولوية للهم المعيشي الطاغي على جميع العراقيين. فهل يعقل أن العراق الغني بالنفط ويحقق أكثر من مئة مليار دولار من العائدات سنوياً، لا يستطيع إنتاج الكهرباء ولا تأمين مياه نظيفة صالحة للشرب أو إقامة مستشفيات.

هذه الأولويات هي التي جعلت الصدر يكسب تعاطف الناس، بعيداً من بيع الأوهام وزج العراق في حروب الآخرين. لقد راهن الصدر على تعب العراقيين من سياسة المحاور، التي كانت غطاءً لتعميم الفساد على الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2005.

المواطن العراقي العادي لم يعد يستطيع تحمل النخبة السياسية الحاكمة الفالتة من العقاب والمحاسبة، والتي تحمي نفسها بأحزاب مدججة بالسلاح، ولم تتورع عن اغتيال ناشطين سياسيين لأنهم جاهروا باختلاف الرأي معها.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …