بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- وضع مقتدى الصدر العراق كله، وليس فقط خصومه أو حتى حلفاءه، في حالة قلق وترقب غير مسبوقة، حيث يتساءل الجميع ما عساه أن يفعل بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى المبارك، وانقضاء العطلة البرلمانية. يحدث ذلك منذ تنفيذ الصدر تهديده بانسحاب كتلته البرلمانية (73 نائباً) من مجلس النواب، في سابقة لم تعتدها الحياة السياسية العراقية، نظراً لأن هذا الانسحاب، أجهض عملياً كل اجتهاداته لتشكيل حكومة أغلبية وطنية خالية من الفساد ومبرأة من «المحاصّة» السياسية التي يرى أنها بيت الداء، وأسّ الفساد كله في العراق، وجاء بمنافسيه «الإطار التنسيقي» ليُحكم سيطرته على البرلمان؛ نظراً لأن «النواب البدلاء» الذين حلوا في مواقع النواب الصدريين المستقيلين ينتمون إلى الأحزاب والتنظيمات المكوّنة للإطار التنسيقي المعارض.
كثرت التفسيرات التي حاولت قراءة أسباب اتخاذ الصدر هذا القرار الذي وضع حليفيه: السني «تحالف السيادة» بزعامة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان، والكردي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود البرزاني في موقف شديد الصعوبة، فقد كان عليهما إما الانزواء، وإما اللجوء إلى «الإطار التنسيقي» المنافس لتأسيس تعاون بديل يُفضي إلى انتخاب رئيس الجمهورية المتعثّر انتخابه، واختيار رئيس الحكومة الجديد، ومن ثم تشكيل الحكومة.
كان أول التفسيرات التي ترددت من داخل العراق، أن الصدر الذي عجز بأغلبيته البرلمانية عن فرض رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة الذي يريد، نظراً لأن أغلبيته لم تحقق شرط ثلثي البرلمان، وامتلاك «الإطار التنسيقي» المعارض ما عُرف ب«الثلث المعطل»، هي أن انسحب من البرلمان؛ لأنه «لا يريد مشاركة الفاسدين»، ولم يكن باستطاعته الانكسار أمام خصومه والقبول بموقفهم لتشكيل حكومة ائتلافية موسعة. البعض لم يجد في هذا التفسير ما يكفي لإقناعه بقبول قرار الصدر، فرض الاستقالة على أعضاء كتلته البرلمانية، ومن هنا جاء التفسير الآخر من داخل العراق أو من خارجه.
يقول هذا التفسير إن انسحاب الصدر جاء رفضاً لضغوط وتهديدات إيرانية طالبته بالتفاهم مع خصومه في «الإطار التنسيقي»، وإنه «فضل الانسحاب على الاستجابة للضغوط الإيرانية» التي جاءت في وقت شديد الحرج بالنسبة لإيران، يتعلق بظروف التقلبات الحادة في ملف التفاوض على النووي الإيراني مع الدول الغربية في فيينا، وفي ظل قناعات إيرانية بأن طهران لا يمكنها التفريط في العراق في مثل هذه الظروف.
وجاء الصدر، في الأيام القليلة التي سبقت عطلة عيد الأضحى ليتجاوز كل هذه التفسيرات، ويطرح رؤيته الخاصة بالأمر، ضمن مخططه الجديد للانقضاض على العملية السياسية كلها، خصوصاً في ظل فشل خصومه في إنجاز المهمتين الرئيسيتين على الرغم من انسحاب كتلته من البرلمان وامتلاك هؤلاء الخصوم أغلبية معتبرة، ترتكز أيضاً على انضمام شريكي الصدر في تحالفه البرلماني: تحالف السيادة «السني»، والحزب الديمقراطي الكردستاني إلى تحالف «الإطار التنسيقي» كشريكين جديدين. فقد جدّد الصدر الذي رمى الكرة في ملعب الشارع السياسي الغاضب، مجموعة من الأسباب الأخرى حمّل فيها خصومه في «البيت الشيعي» من قوى «الإطار التنسيقي»، المسؤولية الكاملة عن إجهاض خططه في تشكيل حكومة أغلبية وطنية.
فقد أخذ الصدر على خصومه رفضهم ترشيح جعفر محمد باقر الصدر ابن عمه سفير العراق في لندن لمنصب رئيس الحكومة، علماً بأن جعفر الصدر هو «ابن مرجعهم وشهيدهم»، على حد قول مقتدى الصدر. كما أخذ عليهم عدم البقاء على خط الانتماء ل«آل الصدر مع أنهم، كان انتماؤهم، في عمومهم إلى آل الصدر».
كما هاجم الصدر من كان «يحسن الظن بهم من السياسيين، أو كتلهم، لكنهم خانوه وركنوا لغيره»، من دون أن يكشف عنهم. وبشأن ما قيل من أنه انسحب لأنه لا يريد مشاركة الفاسدين، على الرغم من أنه قال ذلك فعلاً في إحدى تغريداته، فإنه عاد ليقول: «لعل البعض يتوهم أن قرار انسحابه هو تسليم العراق للفاسدين والتوافقيين»، معتبراً أن هذا الاعتقاد خاطئ، مؤكداً أن قراره هو «تسليم العراق للعراقيين.. لإرادة الشعب ولقراره».
التفسير الأخير هو «بيت القصيد»، فالأرجح أن الصدر يخطط لإعادة تثوير الشارع السياسي العراقي ضد كل العملية السياسية، إما لإفشال أي طموح لنجاح خصومه في اختيار رئيس الجمهورية، وتكليف رئيس للحكومة، والدفع بهذا الفشل إلى خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة يكون هو بطلها، على أمل أن تعطيه الأغلبية التي يأملها لفرض مشروعه السياسي، وإما أنه سيعطيهم الفرصة لانتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس للحكومة، ثم الانقضاض بالشارع العراقي لإسقاط الحكومة وحل البرلمان.
رهان الصدر في ذلك يعتمد على ثقته العالية بالشارع السياسي، كما يعتمد على افتقاد خصومه للتوافق لإنجاز المطلوب سياسياً، حيث إنهم منقسمون على اختيار شخص من سيرأس الحكومة، ومازالوا منقسمين على من سيكون رئيس الجمهورية، هل هو مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما يريد مسعود البرزاني؟ أم برهم صالح مرشح الاتحاد الديمقراطي الكردستاني أو بديل له من هذا الاتحاد.
هذا الرهان هو الذي يفسر رفض مقتدى الصدر خطابات «الاستمالة» التي وجّهها له خصمه اللدود نوري المالكي للمشاركة في الحكومة، أو على الأقل مباركتها، وهذا ما سيتكشف في الأيام المقبلة.