الشرق اليوم- ما حدث في سريلانكا قبل أيام، هو نتيجة مركبة للعديد من الأزمات التي يعانيها الكثير من الدول الفقيرة.
إضافة للآثار الكارثية لوباء كورونا الذي ضرب اقتصادات العالم، ثم تداعيات الحرب الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع قياسي في السلع الاستهلاكية الأساسية، وزيادة حادة في نسبة التضخم، إلا أن هذه الدول تعاني أيضاً فساداً سياسياً تنعدم معه الشفافية والمراقبة والمحاسبة، ويصبح المال العام نهباً لأهل السلطة والمتنفذين، فتسقط الدول في العجز والإفلاس، وعدم القدرة على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية للشعب من مواد غذائية وأدوية، أو توفير مرتبات الموظفين، وتتلاشي الخدمات العامة من كهرباء وماء، وتتهالك البنى التحتية، وتتداعى معها الدولة وهيبتها وسلطتها، حيث تحل الفوضى والاضطرابات في نهاية المطاف، وقد يأخذ العنف مداه من دون قدرة على ضبطه.
في سريلانكا تتواصل التظاهرات الشعبية منذ مايو(أيار) الماضي بعدما دخلت في أسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلالها عام 1948، احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بعد النقص الهائل في المواد الغذائية وانقطاع التيار الكهربائي عن معظم البلاد التي يبلغ تعداد سكانها 22 مليون نسمة، وبعدما عجزت الدولة عن توفير المال اللازم لشراء المواد الغذائية والأدوية والوقود اللازم لتشغيل محطات الطاقة، حيث بلغ الدين الخارجي 51 مليار دولار، وأعلنت الدولة عجزها عن السداد.
بدأت تداعيات الأزمة الاقتصادية المتصاعدة في سريلانكا بالظهور بعد أن نسفت جائحة كورونا عائدات السياحة والتحويلات الخارجية، إضافة إلى الكوارث الطبيعية مثل الأمطار الموسمية التي سددت ضربة قاصمة للزراعة، والعمليات الإرهابية التي وقعت عام 2019 في عيد الفصح جراء سلسلة تفجيرات في العديد من الكنائس والفنادق أدت إلى مصرع مئات الأشخاص.
لكن الفساد السياسي وسوء الإدارة لعبا دوراً رئيسياً في ما وصلت إليه سريلانكا، التي دخلت في نفق سياسي مظلم بعدما أجبر المتظاهرون الرئيس غوتابايا راجابكسا على الفرار من قصر الرئاسة، ودخلت الحكومة في حالة من الشلل وسط دعوات باستقالتها.
حاولت سريلانكا الحصول على قرابة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي للسنوات الثلاث القادمة في محاولة لانعاش اقتصادها، إلا أن هذه المحاولة تصطدم بشروط قاسية من جانب الصندوق مثل إلغاء دعم السلع الاستهلاكية الأساسية، ما يؤدي إلى زيادة الأعباء على الفقراء، وتحرير العملة ما يعني ارتفاع سعر السلع والمنتجات وارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية، وهذا يعني تآكل الطبقة الوسطى وزيادة إفقار الطبقة الفقيرة.
تؤكد التجربة أن ما من دولة اقترضت من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، تمكنت من تحقيق تنمية ملموسة، بل إن بعض تلك الدول وقعت في أزمة مضاعفة حيث بلغ حجم ديونها ما يساوي نصف ناتجها المحلي، ما فرض تدخل صندوق النقد مجدداً في سياستها الداخلية من خلال فرض إعادة هيكلة السياسات الاقتصادية للدولة.
سريلانكا واحدة.. وأخرى على الطريق.
المصدر: صحيفة الخليج