بقلم: سالم سالمين النعيمي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم– تسعى جميع دول العالم ومن دن استثناء لتأمين أمنها الوطني وتصنيفه وفق ما يتوافق مع سياساتها وغاياتها ومصالحها العليا، وآرائها وأجنداتها وعقائدها الوطنية في جميع التوجهات والمستويات والمجالات .
وتسعى أيضا إلى وضع مقاييس موثوقة لها، وتعزيز الجهد الذي يجب أن يكون متجذراً في فهم ملموس لماهية الأمن الوطني وما هو ليس كذلك.
ومن جهة أخرى تعد فكرة الدولة القومية شائعة اليوم، لكن من الخطأ افتراض أنها الطريقة الوحيدة للنظر إلى الأمن الدولي، وحصرها في سياق سياسي أو اقتصادي دون الأخذ بعين الاعتبار كل مكونات التفاعل بين الأمم وحياة الشعوب في إطارها التنظيمي المجتمعي واحتياجاتهم البيولوجية والمادية والنفسية واستخدامات القوة المتعددة والنسبية لتحقيق الأمن، والدفاع الجماعي عن مكتسبات كل أمة ومصادر بقائها وفخرها، وشعورها بعدم العجز وتجاوز القيود الجغرافية التي تعرقل أو تحد من وصولها إلى أهدافها، أو تجعلها في متناول أعداء الخارج وضمن خطوط عرض طموح القوى العظمى.
بالتالي يجب أن تُنّمى القدرة على تعزيز مفهوم الأمن العالمي، وتغيير معطيات وقوانين المؤسسات الدولية مثل عصبة الأمم سابقاً والأمم المتحدة راهناً، والنظر في سبل رفع فعالية التعاون والتنسيق الدوليين ليصبح الهدف في أن يكون العالم مكاناً آمناً هو هدف وعمل لجميع دول العالم، وأنه لا توجد أمة واحدة آمنة ما لم يكن الجميع آمنين، وجعل التشدّق بفكرة الدفاع الوطني ينصّب في التركيز الأكبر على محاولة القضاء على الصراع من خلال القانون الدولي، والمساعدات وتدابير بناء الثقة والحوكمة العالمية، وأن يقتصر استخدام القوة إلى حد كبير على حفظ السلام الدولي وإنفاذ السلام وحماية المواطنين الأبرياء من العنف.
فمهما كان الطرح مثالياً ومخالفاً لطبيعة السياسة والصراع العسكري والاقتصادي والمعرفي بين الأمم، فلا خلاص للدول الأضعف التي لا تمتلك القوة الكافية لتكون دولاً عظمى سوى الانقلاب الموحد ضد دول العالم الأكبر، وذلك من خلال التحول لكتلة واحدة بغض النظر عن جميع الاحتياجات والفوارق والتواجد المكاني والمصالح المتنافرة، وبالتالي التحول من مفهوم أن الأمن الوطني مرتبط بالعسكرة والتسليح والاقتصاد والتكنولوجيا، والتصنيع والإنتاجية والمعرفة المتقدمة إلى أمن دولي مشترك مبني على بناء التحالفات والشراكات، والتي ستتخلى من خلالها الدول عن جزء من سيادتها وسلطتها واستقلالها السياسي لتنضم إلى الدول التحالفية التي تشكل تنظيما مشتركا لا يعترف بالجغرافيا المادية كمحدد لنهوض مفهوم الأمن الأممي التحالفي، والذي ستكون فيه الدولة مكونة من عشرات الدول في قارات مختلفة في نظام فيدرالي عابر للقارات.
فهل ما سبق طرحه هو الأمل الوحيد للثورة ضد المفاهيم التقليدية للأمن الوطني؟ بغض النظر عن الإجابة، فمفهوم الأمن الوطني بشكله الحالي فخ لن ينجو منه أحد سوى الفائز من الصراعات بين الدول العظمى، والتي ستضم باقي دول العالم تحت جناحها قسرياً وليس طوعياً بطرق مختلفة مع مرور الوقت كإجراء طبيعي لتحقيق أمنها، وإن كان الأمن الوطني والأمن القومي يعنيان أشياء مختلفة لأناس في مجتمع واحد بل في الحزب الواحد. وما بين الأمن العسكري والأمن الاقتصادي وأمن الطاقة؛ والأمن البيئي والصحي والإنساني والثقافي، تطول القائمة حيث تتكيّف مع تعقيدات البيئة الدولية المتغيرة وبما يناسب بشكل أساسي الدوائر السياسية والاقتصادية والصناعية.
لكن مع التطور الحادث في العالم قد لا تحتاج الدول العظمى للتدخل العسكري لغزو قارة بأكملها، وجعل شعبها تابع غير مباشر لها ويخدم أجنداتها الداخلية من على بعد آلاف الأميال، وهو ما لا يريد أن يستوعبه من يخطط للأمن الاستراتيجي الوطني اليوم في عالمنا العربي، ويهرع وراء التسليح الأحدث والحرب تدار في العقول كمساحات حرب ويتم إعادة برمجة أجيال بأكملها، والمخطط الاستراتيجي الأمني يبحث عن كيف يؤمن مخزونه الاستراتيجي ويؤمن صفقات أحدث الأسلحة، وبلده مستلب فكرياً ومعنوياً وهي معاول الهدم التي تنخر في جدار الإرادة الوطنية بصمت.