الشرق اليوم- على الرغم من أن تقديرات منظمة الزراعة العالمية (الفاو)، أشارت إلى تراجع أسعار المواد الغذائية خلال شهر يونيو/ حزيران، فإن هذه التقديرات المتفائلة، لا تنفي حقيقة أن أزمة الغذاء العالمي، باتت بالفعل أمراً واقعاً، يواجه ملايين الأشخاص، ويفاقم أزمة الجوع، وأن شبح المجاعة زاحف على دول وشعوب ومجتمعات إنسانية عدة.
وتقديرات منظمة «الفاو» تقوم تحديداً برصد أسعار المواد الغذائية العالمية شهراً بشهر، ولا تمضي أعمق من ذلك، وبالتالي فإنه من غير الممكن أن تعد مؤشراً على مستقبل الأسعار في عالم يموج بالفوضى، وتعصف به عوامل ومهددات كبرى.
وسجّل هذا المؤشر نفسه ارتفاعاً قياسياً لأسعار السلع، خاصة القمح والحبوب والزيوت النباتية والسكر، في مارس الماضي، بسبب المآلات الغامضة للحرب في أوكرانيا. ومع ذلك فقد بقي التراجع المسجل في يونيو قريباً من الارتفاع القياسي غير المسبوق الذي بلغته أسعار الغذاء في مارس.
وكما هو معروف فإن تداعيات الحرب، أفرزت نوعاً من السياسات الأنانية للدول المنتجة؛ حيث فرضت دول عدة قيوداً على تصدير المواد الغذائية، لمراكمة مخزونها، خوفاً مما قد يحدث. وتقول التقارير إن 35 بلداً فرضت قيوداً على صادراتها من المواد الغذائية والحبوب.
هذا النوع من السياسات الأنانية برز بقوة خلال فترة ظهور الجائحة؛ حيث استبدّت مشاعر الفزع والأنانية بالعديد من الدول المنتجة للمستحضرات الطبية ثم في وقت لاحق باللقاحات المضادة، وخاضت المنظمات الدولية معارك كبيرة، لضمان توفير حصص الدول الفقيرة من اللقاحات المضادة. لكن الأمور هدأت بعد فورة الفزع الأولى مع إدراك الدول الكبرى أهمية تعزيز التضامن العالمي، لمحاصرة الوباء، والقضاء عليه.
لكن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، الناجم عن تداعيات الحرب في أوكرانيا، وحتى جائحة «كورونا» التي عرقلت سلاسل التصدير، كان العامل الوحيد المسبب لأزمة الغذاء، فالعالم كان وما يزال يواجه بالفعل أزمة جوع غير مسبوقة حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، مع أكثر من ربع مليار شخص يعانون الجوع، ونقص الغذاء.
والعوامل الأخرى التي تفاقم أزمة الغذاء العالمي؛ هي التداعيات السيئة للمناخ على مستويات إنتاج المحاصيل الزراعية واللحوم والصراعات الأهلية وعمليات الهجرة القسرية، إضافة إلى زيادة الطلب المرتبط بالزيادة السكانية، وقلة الإنتاج.
وتطالب المنظمات الدولية المهتمة بمستقبل الاستقرار الغذائي العالمي، الدول المنتجة بإبداء التعاون والتضامن عبر تخفيف سياساتها الحمائية لمنتجاتها، ورفع القيود التي تفرضها على التصدير، وإبقاء أسواق الغذاء والطاقة مفتوحة، ومضاعفة استثماراتها في مجال التنمية في الدول الفقيرة مع الامتناع عن سحب الدعم الموجه لضحايا القحط والجفاف والصراعات الأهلية وتحويله إلى مصارف أخرى.
وتوجه المنظمات الدولية والعقلاء نداء إلى قادة الدول والحكومات، للمسارعة بنزع فتيل الخطر الداهم والوشيك الذي يهدد المجتمعات البشرية. وهي تقول مع ذلك إن أزمة الغذاء وموجات الشؤم الكامن وراءها ليست قدراً محتوماً، لكنها تعد تهديداً يمكن تجاوزه عبر التدابير الملائمة، وروح المسؤولية والترابط الإنساني.
المصدر: صحيفة الخليج