بقلم: جمال الكشكي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – كنت أتمنى أن تأتي أجواء عيد الأضحى المبارك، وتكون الانتخابات الرئاسية الليبية قد أجريت، لكن للأسف الشديد، كل هذا الزخم والتفاوض لم ينجح في قطع الأشواط الحقيقية، لإجراء هذه الانتخابات، الأوضاع الليبية لم تبرح مكان التأزيم والصراعات والخلافات، ليبيا وشعبها وتاريخها أكبر من الصورة التي التقطها واقع استثنائي، لابد من تجاوزه والعبور إلى ليبيا الدولة التي تتمتع بنفوذ جيوسياسي، وآخر جيواقتصادي طال أمد القرار الليبي، الدخول في دوائر مفرغة أمر سيفضي إلى مزيد من التعقيد والتأزيم، البدء في تنفيذ خريطة طريق نحو دولة المؤسسات، هو الاختيار الوحيد لنجاة جميع الأطراف.
كلما صاحبنا التفاؤل بمرحلة نجد مطبات جديدة تحول دون اكتمالها، السياسة والتفاوض يحتاجان إلى صبر استراتيجي، لكنهما أيضاً يحتاجان إلى مزيد من الهمة والإرادة الوطنية وحسن النيات. لو تأملنا الحراك الذي شهدته ليبيا خلال الأيام الأخيرة، نتوقف أمام اجتماعات القاهرة، فلجنة المسار الدستوري الليبي قطعت مسافات كبيرة للبناء على ما تحقق من توافق بشأن نحو 140 مادة من الهيكل الدستوري، قطعاً تظل بعض المواد الفاصلة محل خلاف، بين مجلسي النواب والدولة، سيما التي تتعلق بشروط الترشح للرئاسة، إذ إن المستشارة الأممية بشأن ليبيا، ستيفاني ويليامز، قالت:«إن اجتماعات جنيف بين عقيلة صالح وخالد المشري، انتهت دون الاتفاق على النقاط الخلافية العالقة»، وبالتالي هنا أصبحنا أمام سيناريوهات مفتوحة بشأن ما هو مقبل في ليبيا، غيوم سياسية في الأفق، لم تنجح جنيف في تحقيق التوافق حول الانتخابات الرئاسية، ثمة أحاديث تقول بأن عدم التوافق حول بعض المواد من شأنه نقل المسار إلى المجلس الرئاسي، غير أن تفاصيل التعاطي المشروط لدرجة العرقلة من بعض الأطراف الليبية، مع مراحل الاستحقاقات، قد تقود إلى تدخلات خارجية من دول لها مصالحها المباشرة في ليبيا، وهذا السيناريو يتسق مع الإعلان حول برنامج «مستفيد» الأمريكي للرقابة الدولية على الموارد الليبية، وهذه الآلية تعني أنه لن يكون هناك صرف للموارد الليبية إلا عبر لجنة ثلاثية تحت رقابة دولية كما أن هناك بعض الأطراف تستغل هذه التعقيدات، وبدأت في الترويج لفكرة تشكيل حكومة أزمة مصغرة، لتقود المرحلة المقبلة إلى الانتخابات.
إذاً نحن أمام مسارات قاتمة قد تقود إلى مزيد من الفوضى، وتطيل عمر غياب الدولة. اللحظة كاشفة. جميع الأطراف الليبية المتصارعة تعرف حجم هذه المخاطر والمخاوف، وأيضاً تعرف جيداً مسارات الخروج من هذه المآزق، والعبور بالدولة الليبية لم يكن الليبيون في انتظار مبادرة أو بيان خارجي يحدد مصيرهم، القرار في أيديهم، لابد من مواصلة التوافق في المواد الخلافية بشأن الترشح للرئاسة، فلا بديل عن الانتخابات من أجل الانتقال بالدولة إلى الأمام،واستعادة المؤسسات الليبية للشرعية. هذا فضلاً عن مخاوف شديدة من استمرار حالة تصلب الشرايين السياسية، حتى لا تقود الشارع الليبي إلى مزيد من التعقيدات والصراعات، مثلما شهدنا الأيام الأخيرة في العاصمة طرابلس، كما أن محاولات المساس بمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، وعرقلة أعماله ستخلقان حالة ارتباك غير مسبوقة، ستجعل ملف النفط عرضة للتجاذبات بين الفرقاء الليبيين، ومن ثم فإن هناك ضرورة كبرى لتحييد ورقة النفط بعيداً عن الصراعات السياسية والجهوية.
أما الأمر الذي يجب أن يلتفت إليه جميع أطراف الصراع، هو خطر الميليشيات، والمرتزقة والقوات الأجنبية، التي تسعى دائماً لإشعال النيران وتهديد الاستقرار، وإبقاء حالة الفوضى بهدف تحقيق أعلى قدر من مكاسبها المتمثلة في إطالة أمد الأزمة، وتحقيق أجندات الأطراف التي لا تريد عودة الدولة الليبية. وسط هذه الصورة الضبابية التي تعيشها ليبيا، فإن مفتاح الخروج من هذه الصورة لم ولن يكون سوى بأيدي الليبيين أنفسهم.