الرئيسية / مقالات رأي / الإنجليزي العنيد

الإنجليزي العنيد

بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – الأزمة التي أثارها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووقع ضحيتها، إنما تعكس المستوى العالي للحيوية والتنوع في الحياة السياسية البريطانية. وهي الحياة التي تكرّس في أعمق جذورها، أولوية استقرار المؤسسات الحاكمة، من دون أن تحرم القادة السياسيين من وهج الزعامة والتألق أو تحطم طموحاتهم الفردية، للتأثير في مسار الأحداث، وترك بصمتهم الشخصية في التاريخ البريطاني والأوروبي وفي تاريخ العالم.

وربما يكون بوريس جونسون الزعيم الأكثر إثارة للجدل بين رؤساء الحكومات في بريطانيا. وفي حال استثناء الزعيم السابق ونستون تشرشل، فإن جونسون يبقى السياسي الأشد عناداً في التاريخ السياسي المعاصر لبريطانيا. وقد أسهمت أحداث ومصادفات تاريخية مختلفة في صناعة أسطورة الرجل الذي تولى رئاسة حكومة المملكة في أعقاب الفوضى التي خلّفتها قضية بريكست، ودفعت رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وخليفته تيريزا ماي إلى التنحي والهروب من مواجهة تداعياتها.

ينطوي تاريخ جونسون الاجتماعي على كمية هائلة من التناقضات، فقد ولد في مدينة مانهاتن الأمريكية لعائلة بريطانية ثرية. وكان جده الأكبر لوالده من الأتراك المسلمين، بينما أحد أجداده لأمه هو حاخام يهودي.

وتلقى تعليمه في مدينة بروكسل، وأكمل دراساته الجامعية في أوكسفورد. عمل صحفياً في أبرز الصحف البريطانية والبلجيكية ومن بينها صحيفة «التايمز» و«الديلي تليغراف» و«التليغراف» و«السبيكتيتور».

أقالته صحيفة «التايمز» بعدما اكتشفت قيامه بعملية تزوير في مقالاته. كما قام بتأليف ثلاث روايات، بينها واحدة عن الزعيم السابق ونستون تشرشل.

وربما تكون هذه الخلفية المحتشدة بأشكال من الغرابة والتناقضات وبالتحديات، دفعت به دفعاً نحو القيادة السياسية. وربما كان مأخوذاً أيضاً بسيرة تشرتشل وكفاحه العنيد، فقد كان كتابه عن تشرشل بعنوان «كيف صنع رجل واحد التاريخ». ويقول مقربون منه إن طموحه المبكر هو أن يصبح «ملك العالم».

تميزت حياته السياسية بدرجة كبيرة من التناقض، وكان قد اقتحم الحقل السياسي نائباً في البرلمان عن حزب المحافظين. ففي قضية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أعلن في البداية أنه لن يصوت لمصلحة خطط رئيس الحكومة حينها توني بلير، للانضمام إلى الولايات المتحدة.

لكنه صوت مؤيداً للغزو ثم قام بزيارة إلى بغداد في عام 2004، وقرر بعدها دعم إجراءات المحاسبة ضد بلير فيما يتعلق بالغزو.

 وفي عام 2006 وصف غزو العراق بأنه خطأ هائل.

في مسيرته السياسية تولى منصب عمدة لندن على فترتين منفصلتين. ثم عاد إلى البرلمان وقاد حملة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وأصبح بعدها رئيساً للحكومة البريطانية بعد استقالة تيريزا ماي.

وبوريس جونسون طاردته المشكلات في كل مرحلة من مراحل حياته المهنية والسياسية، لكن العناد كان سلاحه الدائم، للتغلب على ما يثار حوله.

وبعد نجاته الأخيرة من اقتراح سحب الثقة في فضيحة خرق قيود الوباء، سأله صحفيون عما إذا كان يعتزم الاستقالة، فقال إنه يعتزم البقاء في الحكم فترتين أخريين. لكن الموجة هذه المرة أكبر حجماً بكثير، ولم يردعها العناد.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …