بقلم: علي حمود – النهار العربي
الشرق اليوم – تطرّق حاكم “مصرف لبنان” رياض سلامة، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، إلى مسألة حذف الأصفار من العملة، من دون أن يقول كلمة نهائية فيها. هذا الإجراء يتم عقب فشل السياسة النقدية التقليدية في لجم تدهور سعر العملة، وأبرز أدواته هو رفع سعر الفائدة على العملة المحلية بنسبة قياسية، لتحفيز الأفراد على التمسك بها وحيازتها والبعد من الدولرة.
ومن الأسباب التي تدفع الدول إلى القيام بهذا الإجراء أيضاً، استعادة الثقة بعملتها، وتشجيع وجذب المستثمرين من خلال الودائع المصرفية، أو شراء أدوات كالدين (السندات وأذونات الخزانة)، وقد تكون عملية الحذف مقدمة لذهاب الدولة المتعثرة والمفلسة مالياً (كلبنان الذي تعثر في آذار (مارس) 2020 مالياً)، إلى صندوق النقد والمؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة للحصول على قروض ترفع بها احتياطاتها من النقد الأجنبي، بعد نفاد ما تبقى من الاحتياط الإلزامي وهو ما يقوي قيمة العملة المحلية، ويرفع مستوى الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على البلاد.
ومن المؤكد، أن لبنان ليس أول بلد ولا آخره قد يقوم بحذف الأصفار من العملة، وتسمى أيضاً إعادة تسمية العملة (Redenomination)، فقد قامت بذلك ألمانيا أقوى اقتصاد في منطقة اليورو، نتيجة الأزمات المالية والاقتصادية الصعبة التي مرت بها، بسبب تكلفة الحرب ودمار البنية التحتية، والتي أدت إلى تهاوي القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار وانهيار العملة، ما دفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وآخر البلاد التي قامت بهذا الإجراء: إيران، وتركيا (2005).
وإعادة تسمية العملة من أحد تدابير السياسة العامة الذي يبسّط فهم واستخدام وإدارة العملة الوطنية من خلال التعبير عنها في نطاق معادل جديد وأصغر، وبعبارة أخرى، تؤدي إعادة تسمية العملة إلى إزالة عدد محدد من الأصفار من العملة (Removing Zeros from National Currency)، وتجلب كل ما يتم التعبير عنه من خلال العملة الوطنية إلى ذلك النطاق النقدي الجديد، وهي تشمل: أسعار السلع والخدمات المباعة في الدولة، والأجور والرواتب، والمدخرات، والمعاشات التقاعدية، والديون، والإيجارات، والمدفوعات الأخرى الملتزم بها، وسعر الصرف والضرائب، وفي أوقات التضخم، أدت الكمية نفسها من الوحدات النقدية إلى إضعاف القوة الشرائية ببطء.
يمكن للسلطات تقليل هذه المشكلة من طريق إجراء إعادة تسمية: تستبدل الوحدة الجديدة، الوحدة القديمة، بعدد معين من الوحدات القديمة المحولة إلى وحدة جديدة، وإذا كان سبب إعادة التسمية هو التضخم، فيمكن أن تكون نسبة التحويل أكبر من 1، وعادةً ما يكون عدداً موجباً مضاعفاً لعشرة، مثل 10 و 100 و 1000 وما إلى ذلك، ويمكن الإشارة إلى هذا الإجراء باسم “إزالة الصفر”.
تؤثر إعادة التسمية أيضاً على الشؤون المالية والمحاسبية للدولة التي قامت بإعادة التسمية، فالتأثير الذي يحدث ليس مباشراً في الاقتصاد، ذلك لأن قيمة النقود ستبقى كما هي وهناك قوة شرائية متساوية، سيكون التأثير الحقيقي في الاقتصاد من الناحية الجزئية والكلية صفراً، فلن يتغير الطلب والعرض للسلع والخدمات، وسيشهد صافي الاستثمار والإنفاق الحكومي وصافي ميزان مدفوعات الصادرات تغيراً كونياً ليس له أي تأثير اقتصادي، ولا على مستوى استهلاك الأسرة.
إن الأسباب التي تقرر فيها بعض الدول إعادة تسمية عملتها هي مزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية مثل التضخم ومخاوف الحكومة بشأن صدقية العملة وتأثيرها في الهوية الوطنية، كما أن إعادة التسمية مرتبطة أيضاً بمتغيرات سياسية أخرى مثل الآفاق الزمنية للحكومة، وأيديولوجية الحزب الحاكم، وتجزئة الحكومة والسلطة التشريعية، ودرجة التباين الاجتماعي.
وتتم إعادة التسمية عند إعادة وحدات عملة البلد إلى مجموعة جديدة بناءً على نسبة معينة بسبب التضخم وانخفاض قيمة العملة بشكل أساسي، فيؤدي الضغط الناتج من التضخم إلى انخفاض قيمة المال الذي يعتمد على سرعة الحدوث، وبالتالي فإن الأسعار المقابلة للسلع والخدمات التي يمكن لمبلغ سابق من المال شراؤها تبدو أكبر مما كانت عليه وبالتالي يتم التعبير عنها، وكلما زاد التضخم زادت الأرقام التي تعبر عن الأسعار التي قد تبدأ في النهاية بالتأثير في سلاسة المعاملات اليومية.
هناك العديد من الأسباب وراء قرار بلد ما إعادة تسمية عملته، بدءاً من الصدقية والهوية إلى السياسات المحلية والدولية، فعلى وجه التحديد، وعلى الرغم من أنها ليست شاملة، إلا أن الضغوط التضخمية والتأثير النفسي والسيطرة على استبدال العملة والسياسة المحلية عوامل تم تحديدها على أنها الأسباب الرئيسية لإعادة التسمية، فإن إزالة الأصفار من العملة هو عنصر مكمل لاستقرار السياسة وسيكون له آثار فسيولوجية إيجابية على استعادة صدقية هذه العملة وتقليل التوقعات التضخمية إضافة إلى تعزيز سهولة المعاملات والحساب.
ويمكن أن تشير إعادة تسمية العملة أيضاً إلى محاولة الحكومات إعادة تأكيد السيادة النقدية، فإذا فقد المواطنون الثقة في العملة الوطنية، قد يبدأون في استخدام العملات الأجنبية، بخاصة بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بمكانة أكبر، وقد تكون هذه ضربة نفسية واقتصادية للحكومة، فمع استبدال العملات الأجنبية على نطاق واسع (أو بشكل أكبر، الدولرة الكاملة)، لا يعد البنك المركزي يتحكم في المعروض النقدي، ما يجعله غير قادر على توفير وظائف الإقراض كملاذ أخير، ونتيجة لذلك، غالباً ما تحدث عمليات إعادة التسمية بعد الأزمات الاقتصادية (الأوبئة، الكوارث الطبيعية، الحروب والفساد)، وفي بعض الحالات، إذا كان التوقيت صحيحاً في إعادة التسمية، فسيؤدي ذلك إلى الحد من المستويات المرتفعة للتضخم.
أدى حذف الأصفار من الليرة التركية إلى القضاء على المشكلات الفنية والتشغيلية التي تنشأ عن استخدام الأرقام ذات الأصفار المتعددة، ولذلك تم تبسيط التعبيرات النقدية وبالتالي أصبح من الأسهل تناول السجلات وإجراء المعاملات. باختصار كان التحول إلى الليرة التركية الجديدة ضرورياً لكل من الآثار الإيجابية المحتملة في سمعة العملة ولأسباب فنية كذلك، ويذكر البنك المركزي التركي أيضاً أن حذف 6 أصفار من الليرة التركية ساهم ليس فقط في استعادة هيبة العملة في نظر المواطنين الأتراك ولكن أيضاً على المستوى الدولي، فمن خلال القيام بهذه العملية، تجددت ثقة الناس بعملتنا، وهذه الثقة تخلق استثمارات كبيرة تزداد في الأدوات المالية ويتم إصدارها بالليرة التركية الجديدة.
وفي البلدان التي حدث فيها تضخم مفرط، تواجه الحكومة معركة شاقة لكسب ثقة الأسواق الدولية والمحلية، فأكثر الوسائل المباشرة هي من خلال برنامج الاستقرار الذي ينطوي على استخدام إما الاستهداف النقدي القائم على سعر الصرف أو الاستهداف الموجه، عبر زيادة الاستقلال التشغيلي للبنك المركزي، وإزالة السياسات الاقتصادية المشوهة.
أما إذا كانت الحكومات تكتفي فقط بإزالة الأصفار من العملة الوطنية، ولم تنفذ إصلاحات اقتصادية شاملة، فلن تكون فعالة.