الرئيسية / مقالات رأي / الديمقراطية الأمريكية وسيادة القانون

الديمقراطية الأمريكية وسيادة القانون

بقلم: أنتارا هالدار – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – مع تراجع الاهتمام بأحداث الشغب في الكابيتول، وتراجع التصورات بشأن تورط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تواجه لجنة 6 يناير مهمة شاقة. ولكن حددت اللجنة أولوياتها تحديداً صحيحاً، خلال الفترة المنقضية. وكانت قيمة إنتاج جلسات الاستماع ممتازة؛ وبدلاً من الاعتماد على الحجج المنطقية فقط، تروي اللجنة تفاصيل مقنعة في دراما وثائقية متعددة الأجزاء، من المرجح أن تثير مشاركة أخلاقية. إن ما يقرب من 20 مليون أمريكي تابعوا الجلسة الأولى، وهو العدد نفسه الذي شاهد موكب «ماسي» بمناسبة عيد الشكر الذي بُث على شاشة التلفزيون، وهو يتجاوز بكثير عدد الأشخاص الذين شاهدوا الموسم الأخير من برنامج ترامب: «The Apprentice»، ما بين 4.6 ملايين إلى 7.6 ملايين. وحالياً، تبدو النتيجة كالتالي: ترامب: 0، سيادة القانون:1، ولكن مفتاح نجاح هذه الدراما البالغة الأهمية هو جذب المشاهدين.

بعد مرور ما يقارب أقل من سنتين بأشهر معدودة على اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير 2021، شرعت لجنة الاختيار في مجلس النواب في نشر نتائج تحقيقها المفصل بشأن الحدث. إذ قابلت اللجنة أكثر من 1000 شاهد عيان وفحصت 125000 وثيقة. وخلال شهر يونيو، عقدت ست جلسات استماع حتى الآن في محاولة منها لتقديم الرئيس السابق دونالد ترامب للعدالة.

ولخصت ليز تشيني، وهي عضو جمهوري بارز في اللجنة (إلى جانب واحد من اثنين فقط من ممثلي الحزب الجمهوري الراغبين في الانضمام إليها)، استنتاج اللجنة في التصريح التالي: «استدعى الرئيس ترامب حشداً من الرعاع، وأشعل شرارة هذا الهجوم». وبعد عرض أدلة تثبت التورط المباشر للرئيس السابق في التمرد أكثر مما كان يعتقد سابقاً، وثَّقت اللجنة فشله في استدعاء وحدات من الحرس الوطني أو ضباط شرطة إضافيين للتدخل في هجوم مبنى الكابيتول، وتجاهل مناشدات مستشاريه بأن يطلب من أنصاره التنحي. وبدا أن ترامب يشجع العنف بصورة مباشرة. إن الصورة التي ترسمها اللجنة هي صورة لهجوم متعمد ضد الديمقراطية، وليس لاشتعال جماهيري تلقائي.

ويبدو أن عمدة مدينة نيويورك السابق، رودي جولياني، والمحامي والأكاديمي المحافظ، جون إيستمان، كانا «العقول المدبرة» لمحاولة الانقلاب (التحضير لمآمرة كان ترامب يعرف أنها غير قانونية)، في حين ساهم اليمين المتطرف Proud Boys (براود بويز) و Oath Keepers (أوث كيبرز) بالكثير من القوة العضلية. وركزت جهودهما على الضغط على نائب الرئيس آنذاك، مايك بنس، حتى يرفض التصديق على الانتخابات الرئاسية لعام 2020، التي خسرها ترامب أمام جو بايدن. وهناك أيضاً أدلة على المحاولات المستمرة لإكراه المسؤولين في بعض الدول على عكس نتيجة الانتخابات. ويشير اعتراف صادم أثناء جلسات الاستماع هذا الأسبوع إلى أن ترامب نفسه سعى للانضمام إلى الغوغاء.

وقدم العديد من الموالين السابقين لترامب شهادات ضده. ورفض المدعي العام السابق، بيل بار، الأكاذيب بشأن انتخاب ترامب واصفاً إياها بـ«الهراء». كما صرحت ابنة ترامب، إيفانكا، وصهره جاريد كوشنر، بقبولهما بالنتيجة (مما أثار سخط ترامب). وكانت عبارات «المذبحة» و«الانزلاق في دماء الناس» التي وصفت بها ضابطة شرطة الكابيتول، كارولين إدواردز، الهجوم تذكيراً تقشعر له الأبدان بمقتل خمسة أشخاص وإصابة 140 من ضباط إنفاذ القانون في الهجوم.

وحذر القاضي الفيدرالي المحافظ، مايكل لوتيج، من أن ترامب يمثل «خطراً واضحاً وقائماً» على الديمقراطية الأمريكية – وهو نداء موجه إلى الحزب الجمهوري، الذي يواصل توحيد الصفوف خلف الرئيس السابق. إذ قاطع زعيم الأقلية في مجلس النواب كيفن مكارثي الجلسات. كما أن معظم الجمهوريين يتجاهلونها ويرفضونها. ولا يزال ترامب الشخصية المركزية في الحزب الجمهوري، ويحتفظ بدعم غالبية قاعدة الحزب، وقد يترشح للرئاسة مرة أخرى في عام 2024.

ويعطي أسلوب عمل ترامب السياسي درساً بشأن قوة الانخراط العاطفي. إذ في عام 2016، كان العديد من النقاد متشككين بشأن الآفاق الانتخابية لترامب، بالنظر إلى افتقاره إلى استراتيجية يمكنهم فهمها. فقد بحثوا عبثاً عن المنطق والحقائق في خطاباته غير المتماسكة، لكنهم غفلوا عن الخيط العاطفي في رسائله التي ربطت الناخبين به.

ويحدد عالم النفس، بول إيكمان، ستة مشاعر أساسية: الخوف، والغضب، والحزن، والفرح، والاشمئزاز، والمفاجأة. ويتعامل ترامب مع إحدى تلك المشاعر، وهي الغضب، كما كان «موزارت» يتعامل مع G Minor (صول صغير). ويبدو أن لديه قدرة فطرية على نقل غضبه إلى أنصاره. وكانت تلك ضربة ترامب في عام 2016: استبدال المشاعر بالحقائق.

وكان الجدل الدائر بشأن أولوية «الشعور» مقابل «التفكير»، بما في ذلك تبادل حاد ورفيع المستوى بين عالم النفس الاجتماعي «روبرت زاجونك»، وعالم النفس «ريتشارد لازاروس»، محورياً في علم النفس في ثمانينيات القرن الماضي. إذ قدم «زاجونك» حجة مقنعة لـدعم «الأولوية العاطفية»، مؤكداً أنه في كثير من الحالات، بما في ذلك اتخاذ القرار، يبدو أن التأثير (بالمعنى التقريبي، العاطفة) يسبق الإدراك، وغالباً ما تقدم التبريرات في وقت لاحق.

وفي الآونة الأخيرة، جادل عالم النفس، جوناثان هايدت، من جامعة نيويورك بأن «الفعل الأخلاقي يتماشى مع العاطفة الأخلاقية أكثر من التفكير الأخلاقي». ما زال معظم الليبراليين الأمريكيين مصممين على دفن المشاعر والتركيز على العقلانية. ويشبه هذا إحضار سكين للخوض في تبادل لإطلاق النار.

إن الاستجابات العاطفية، مصممة بطبيعتها، لتكون سريعة وتلقائية وشاملة – وغالباً ما تتغلب على الأحكام المتضاربة. وجادل «تشارلز داروين» في عمل مهم صدر له عام 1872، بأن استجاباتنا العاطفية هي في سلسلة متصلة تبدأ من ردود أفعال سريعة ظهرت كمتطلبات وجودية للبقاء. ويدرك علماء النفس حالياً، أنه «لدى الكائنات الحية استجابات شبيهة بردود الفعل التي سمحت لها بالاستجابة للتهديدات البيئية… وكانت التعبيرات العاطفية من مخلفات هذه الاستجابات».

ولكن ما ورثناه في بنيتنا وأسلوب تفكيرنا يحكم علينا بالخضوع لاعتبارات كثيرة. إذ قال الفيلسوف ديفيد هيوم، مثلاً، إن المشاعر الأخلاقية دليل أفضل. وجدير أن نعلم هنا أن إجراءً معيناً قد يؤذي العديد من الأشخاص، ولكن ما لم نهتم بهؤلاء الأشخاص أو برفاهية الإنسان، فإن هذا الوعي لا يوجه عملنا.

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …