الرئيسية / مقالات رأي / «البريكس» والرهانات الجيواستراتيجية للطاقة

«البريكس» والرهانات الجيواستراتيجية للطاقة

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – تعرف الساحة الدولية تحولات كبرى، بدأت تأخذ منعرجاً حاسماً في سياق المواجهة الراهنة بين الغرب وروسيا، لاسيما بعد الاجتماع الأخير لحلف الناتو الذي أخذ قراره التاريخي والحاسم بأن يوسّع من نطاق صراعه مع الشرق ليشمل إلى جانب روسيا التي يصفها بـ«لخطر الأكبر»، الصين أيضاً التي ينظر إليها بوصفها «تشكِّل تحدياً» له ولكل الغرب وليس للولايات المتحدة الأمريكية فقط، حيث أرادت واشنطن انطلاقاً من هذا الاجتماع أن تجعل دعمها لدول أوروبا من أجل التصدي للتهديدات الروسية، مرهوناً بدعم هذه الدول لها في حربها الاقتصادية مع التنين الصيني. وتعيد هذه التطورات إلى معترك السياسة الدولية مسألة التوازنات بين الغرب وباقي دول العالم لاسيما مع تكتل دول «البريكس» الذي يضم قوى صاعدة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لا تسعى بالضرورة إلى مواجهة مفتوحة مع الغرب، لكنها تطمح إلى إعادة بناء العلاقات الدولية على قواعد أكثر إنصافاً.

ويمكن القول إن عودة مجموعة «البريكس» إلى الواجهة تجري في سياق وضع دولي غير مستقر، يتميز بارتفاع كبير في أسعار الطاقة والغذاء واضطراب غير مسبوق في سلاسل التوريد على مستوى التجارة العالمية، وبالتالي فإنه رغم تواضع الناتج الداخلي الخام لدول «البريكس» مجتمعة مقارنة بالقوة الاقتصادية الضاربة للدول الغربية، إلا أن الاحتياطيات الهائلة من الطاقة التي تمتلكها بعض دول «البريكس» تجعل هذه المجموعة مرشحة للعب دور محوري في رسم مستقبل العلاقات الدولية خلال السنوات والعقود المقبلة. وفضلاً عن ذلك فإن توسّع مجموعة «البريكس» لتضم دولاً وازنة مثل إندونيسيا ومصر والأرجنتين يمكنه أن يغيّر بشكل لافت من موازين القوى في العالم.

ولا يستبعد المراقبون في السياق نفسه، في حال فشل محاولات إعادة الدفء إلى العلاقات الأمريكية  الخليجية، أن يشكل مستقبلاً، انضمام دول الخليج الكبرى إلى هذه المجموعة، دعماً كبيراً لها.

ويشير الباحث جوليان فيركوي إلى أن إطلاق تسمية «البريك» على مجموعة الدول الصاعدة في سنة 2001، مثّل اللبنة الأولى لتأسيس هذه المجموعة التي انضمت إليها جنوب إفريقيا بعد عقد من الزمن باقتراح من الصين، وبدأ بعد ذلك حجم إسهام «البريكس» في الاقتصاد العالمي يتزايد بشكل لافت للنظر، لاسيما بفضل تحوّل الصين إلى مصنع للعالم بعد أن تضاعف ناتجها الداخلي الخام بمعدل 14 مرة خلال 22 سنة، وأصبحت الهند أكثر ثراءً مما كانت عليه سنة 1992 بنسبة تجاوزت سبع مرات، وارتفع معدل ثروة روسيا بنسبة 40 في المائة خلال عقدين من الزمن.

وتكمن قوة «البريكس» الأساسية، وربما قدرتها في المستقبل القريب على قلب الأوضاع الاقتصادية في العالم، في كونها تضم دولاً (هي روسيا، البرازيل، جنوب إفريقيا) تملك احتياطيات كبرى من المواد الأولية الطبيعية، التي تزايد تأثيرها في الاقتصاد العالمي خلال السنوات الأخيرة، وتضم أيضاً قوتين آسيويتين هما الصين والهند اللتان تعتبران من أكثر دول العالم تصديراً لمنتجات الصناعات التحويلية، حيث تصنّف الهند مثلاً كأكبر مصدّرٍ في العالم لليد العاملة الماهرة في مختلف الأنشطة لاسيما في مجال التكنولوجيات الحديثة، وتعتبر جالياتها المهاجرة أكبر تجمّع للشتات في العالم، وتعدّ أيضاً أكبر مصدِّرٍ لخدمات المعلوماتية وللمنتجات الصيدلانية، وذلك رغم أن روسيا مثلاً، مازالت تعتمد في المقابل بشكل واسع على اقتصاد ريعي قائم على تصدير المواد الأولية إلى جانب الصناعات العسكرية التي تسهم بنسب متواضعة في ناتجها الداخلي الخام.

ونستطيع أن نخلص إلى أن حالة التراجع التي تُميِّز القدرات الاقتصادية للغرب والصعوبات التي يواجهها من أجل مواصلة هيمنته على العالم، إضافة إلى بروز بوادر شح في مصادر الطاقة مع تزايد دورها الجيواستراتيجي واختلال التوازن بين العرض والطلب، كلها عوامل تُسهم بدرجات متفاوتة في تنامي قوة دول «البريكس» وتضاعف من قدرتها على استقطاب قوى صاعدة.

وعليه فإن تأثير هذه المجموعة في العالم وفي مستقبل العلاقات الدولية، سيكون حاسماً خلال السنوات المقبلة، بخاصة إذا فشلت مساعي الغرب بقيادة واشنطن في عزل روسيا والصين عن محيطهما الدولي والإقليمي، وإذا تعثرت أيضاً مساعي المملكة المتحدة الهادفة إلى استعادة تأثيرها في صنّاع القرار في الهند.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …