بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- أياً يكن السجال الدائر حول أزمة تأليف الحكومة اللبنانية، ومهما كانت المبررات والدوافع، فإنه لا يصب سوى في خانة تعميق الأزمة الشاملة التي تعانيها البلاد في السنوات الأخيرة، وكأن قدر لبنان أن ينتقل من أزمة إلى أخرى، ويظل يدور في حلقة مفرغة، من دون أن يرف جفن للمسؤولين السياسيين، الذين باتوا يرهنون مصيرهم بالإبقاء على لبنان في هذه الدوامة.
لا أحد يجهل طبيعة النظام اللبناني وتركيبته الطائفية، فقد وفرت سلسلة الأزمات المتتالية في السنوات الأخيرة شرحاً كافياً، لكل من كانت لديه أسئلة أو تساؤلات عن كيفية تشكيل الحكومات، وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتتالت عليه الكثير من المصطلحات اللبنانية الخالصة من نوع «الجوجلة» و«تدوير الزوايا»، وصولاً إلى «الاستشارات والتكليف والتأليف» وغيرها.
لكن في كل بلدان العالم، يتوحد الجميع، رغم الخلافات والانقسام والطوائف، لمواجهة أزمة وطن، إلا في لبنان، حيث لا ترى القيادات السياسية سوى مصالحها الفئوية. كل التقارير الدولية والأممية تُجمع على أن لبنان يمر بأخطر أزمة اقتصادية وانهيار مالي شهدها العالم منذ نحو 150 عاماً، وأن 80 في المئة من الشعب اللبناني أصبح تحت خط الفقر، وأن الليرة اللبنانية فقدت 90 في المئة من قيمتها، بينما القيادات السياسية تتمسك بوزير هنا وآخر هناك، وبهذه الحقيبة أو تلك، وبالتالي يدخل الجميع في أزمة تأليف حكومي بعد التكليف، وقد تطول هذه الأزمة أشهراً أو حتى سنوات، وكأن لبنان واللبنانيون يمتلكون ترف الانتظار، رغم كل معاناتهم وآلامهم، حتى لا يتبقى أمامهم سوى «رحلة الموت» في قوارب الهجرة.
لبنان الذي ينتظر مساعدة المجتمع الدولي للخروج من أزماته المستعصية، تمكن في الآونة الأخيرة من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مقابل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والتي ترجمتها خطة التعافي الحكومية، وإن كانت ما زالت بحاجة إلى إقرارها في مجلس النواب، بعد تسوية الخلافات حول بعض بنودها المتعلقة بما يسمى «الكابيتال كونترول» والسرية المصرفية.. لبنان بحاجة، بالتأكيد، إلى حكومة أصيلة قادرة على اتخاذ القرارات، وليس حكومة تصريف أعمال.
ولعل الأهم هنا هو التوصل إلى اتفاق حول مسألة توزيع الخسائر التي تقدر بنحو 70 مليار دولار، والتي هي السبب الأساسي في الخلاف على خطة التعافي المالي، حيث تُحمّل الخطة الحكومية البنوك والمودعين مسؤولية تلك الخسائر، بينما ترى البنوك أن الدولة يجب أن تستخدم أصولها لدفع أموال المودعين.
هذه القضايا المهمة والعاجلة، ناهيك عن الاستحقاقات الأخرى كانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قبل انتهاء ولاية الرئيس عون، تحتم الاستعجال في «التأليف» وتشكيل حكومة تتولى مسؤولية كل هذه القضايا والاستحقاقات، بدلاً من العرقلة والتعطيل والكيدية السياسية، والاختباء خلف مصالح الحزب أو الطائفة أو الكتلة السياسية، لأن عدم تشكيل حكومة على الفور، والوصول إلى الاستحقاق الرئاسي، من دون انتخاب رئيس جديد، وفي ظل حكومة تصريف أعمال، يعني دخول البلاد في متاهة وحالة من الفوضى، لا أحد يدفع ثمنها، سوى الشعب اللبناني.