بقلم: كمال بالهادي – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بعد أن تم نشر مشروع الدستور في الجريدة الرسمية التونسية، ودعوة الناخبين إلى الاستفتاء عليه في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز الحالي، تقطع تونس مرحلة جديدة نحو الاستقرار السياسي، وتأسيس جمهورية جديدة، تقوم على مفاهيم أساسية هي النظام والحرّية والعدالة.
تعمل المعارضة التي تقودها «جماعة الإخوان» خفية وعلانية على تهميش مضامين الدستور الجديد، وتركز عبر صفحاتها وإعلامها الممول من قوى أجنبية على بعض النقاط التي لا تمس جوهر الدستور الاجتماعي والسيادي الجديد. وعلى الرغم من الحملات المسعورة، واستغلال أي حركة ولو صغيرة من أجل استعمالها سلاحاً ضد الاستفتاء، فإن التونسيين الذين سئموا تلك الشخصيات التي دمرّت بلداً، وخربت مجتمعاً طيلة العشرية الماضية، لن يترددوا في الإدلاء بأصواتهم يوم الاقتراع ليس توافقاً مع الدستور الجديد؛ بل للحسم مع مرحلة سوداء من تاريخ تونس.
عملت «الجماعة» على استمالة الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر قوة اجتماعية في تونس، في إطار حملتها لإسقاط الاستفتاء، لكن الاتحاد قرر المشاركة فيه، وترك حرية التصويت بنعم أو بلا لأعضائه، وهذه خطوة مهمة جداً أنهت الجدل الحاصل في تونس منذ أسابيع مما يجري من تحولات سياسية. والاتحاد، وعلى الرغم من خلافاته الواضحة مع الرئيس قيس سعيّد، أكد مراراً وتكراراً أنّه لا رجوع إلى ما قبل الخامس والعشرين؛ بل إنه وجّه خطاباً شديد اللهجة إلى «الجماعة» التي سعت إلى توظيف تحركاته الاحتجاجية، ودعاها إلى عدم حشره في صراعاتها السياسية.
المهم الآن أن مشروع الدستور الجديد، ضمن الحقوق والحريات، وأغلق الباب أمام المعارضين الذين عملوا على استغلال هذه النقطة لتكوين جمعيات تتغذى من الأموال الخارجية، وحسم مسألة الدين والدولة في فصله الخامس، ومن خلال احتكار الدولة للشأن الديني في البلاد، وهذا أهم فصل يحسب للرئيس قيس سعيّد، لأن مفاعيله ستظهر لاحقاً من خلال منع كلّ طرف سواء كان حزباً سياسياً أو منظمة أو جمعية من استغلال الدين لمآرب ومصالح فئوية. وبهذا الفصل في الدستور الجديد، ستغلق الكثير من «الحوانيت» و«الدكاكين» التي احترفت المتاجرة بالدين، وكانت أذرعاً خفية تستعملها «الجماعة» للسيطرة على المجتمع. وقد عانى التونسيون هذه الأذرع سواء من خلال تجنيد الشباب وتسفيرهم إلى بؤر التوتر أو تغلغلهم في المجتمع من أجل تغيير نمطه. ويعمل القضاء الذي بدأ يتعافى من سيطرة الجماعة على تفكيك تلك الشبكات المعقدة، من حيث التمويل الخارجي ومن خلال علاقاتها الخفية التي تهدد الأمن القومي بحسب ما أكدته وزارة الداخلية التونسية.
لا يمكن لأحد أن يجادل في أنّ هناك فصولاً جديدة تضمن مشاركة المهمشين ومن أقصتهم السياسات المركزية، فظلوا طوال عقود من الزمن ضحايا التنمية غير المتوازنة وغير المستدامة. وهذا ما يغيظ الآن القوى النافذة التي كانت مستفيدة من صياغة تشريعات «على المقاس» تحفظ لها مصالحها وتغلق أبواب العمل والثروة أمام بقية التونسيين. لهذا وغيره من الفصول التي تجفف منابع الفساد والإثراء غير المشروع، تثور ثائرة «الحقوقيين» المزيفين وتجار الدين الذين سحبت منهم الجمهورية الجديدة بساط المتاجرة بالدين.
ليس هذا المشروع الدستوري الجديد هو نهاية المطاف، لأنّه نص قانوني من الثابت أنه يحتوي على عدد من النقائص، لكنه على أية حال يحسم مرحلة الفوضى التي خربت اقتصاد البلاد، وجعلت التونسيين بأغلب طبقاتهم فقراء مدقعين.
إن عملية إعادة البناء ليست سهلة، وترميم ما خرّب مكلف من حيث الثمن الذي على التونسيين دفعه لإعادة البناء، لكن الخطوة السياسية الجارية هي مهمّة، حتى يتم التوجه نحو إعادة البناء الاقتصادي، وهو التحدي الأكبر أمام رئيس الجمهورية والائتلاف السياسي والشعبي المساند له. لن يكون الأمر فسحة، فالخراب عام وعميق، ولكن إرادة التونسيين لا تقهر، عندما يتحررون من القيود، وموعد 25 يوليو هو ذلك التاريخ الذي سيحررهم.