بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- تعكس تصريحات ومواقف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في الآونة الأخيرة، حجم الضغوط التي يواجهها داخلياً وخارجياً، ليس فقط لكونها تصريحات ومواقف متناقضة، وإنما لأنها تخرج عن حدود اللياقة أحياناً، وتعبر عن رغبته في التشبث بالسلطة التي اهتزت من تحت قدميه في أحيان كثيرة.
وخلافاً لمحاولته الحفاظ على مظهر الرجل القوي، باعتباره بطل «البريكسيت» في عيون أغلبية البريطانيين، فإنه يسعى جاهداً إلى التغلب على سلسلة الفضائح، أو ما عرف باسم «بارتي غيت» التي كان بطلها أيضاً، بخرقه للقوانين في خضم جائحة كورونا، التي أفقدته الكثير من الشعبية حتى في داخل حزب المحافظين الذي يتزعمه أيضاً، وأدت إلى خسارة حزبه مرتين لأهم معاقلة في انتخابات جزئية للمجالس المحلية، واعتبرت مؤشراً على خسارة الانتخابات التشريعية المقبلة بحلول ديسمبر/كانون الأول 2024.
وعلى الرغم من رفضه الاستقالة رداً على مطالبات عديدة، ونجاته بصعوبة من اقتراع على الثقة تقدم به نحو 41 % من أعضاء حزبه، فإنه لم يتردد خلال قمة الكومنولث في رواندا مؤخراً، في الإعلان، فيما يشبه الكوميديا السوداء، عن أنه سيبقى في السلطة لولاية ثالثة أي حتى منتصف الثلاثينات.
هذه الإخفاقات الداخلية، ومعها حقيقة مخاوفه من فقدان السلطة، انعكست بدورها على سياسته الخارجية، إذ إنه لم يكتف باتخاذ أكثر المواقف تشدداً، بين الزعماء الأوروبيين، حيال الأزمة في أوكرانيا، سعياً إلى احتواء غضب البريطانيين، الذين بدأوا يتحركون ضد الغلاء وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، والمطالبة بزيادة الأجور، كما في إضراب عمال وموظفي السكك الحديدية، بل راح يدلي، خلال انعقاد قمتي مجموعة السبع في بافاريا بألمانيا و«الناتو» في مدريد، قبل أيام، بتصريحات متهورة وبعضها خارج عن حدود اللياقة، وصل إلى حد التجريح الشخصي تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي يعكس حجم الضغوط وحالة التوتر التي يعيشها.
الأسوأ من ذلك، هي المواقف المتناقضة التي بدأ يعبّر عنها، فعراب «البريكسيت» أو بطل الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، تحول فجأة إلى أحد أشد المتحمسين للعمل الأوروبي الموحد. وفي لقائه مع الرئيس الفرنسي ماكرون خلال قمة السبع، أبدى جونسون حماساً شديداً للمشروع الذي طرحه ماكرون، في خضم النقاش حول انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، حول إنشاء مجموعة أوروبية سياسية، ويستهدف الدول التي تأمل في الانضمام للاتحاد بالدرجة الأولى. ولم يكتف بذلك، بل أخبر ماكرون، بحسب بيان للإليزيه، أن «الفكرة خطرت له في عام 2016»، ليردّ عليه ماكرون ممازحاً بأنه في هذه الحال سيمنحه «حقوق الملكية الفكرية».
من الواضح أن جونسون الذي يتحرك في كل الاتجاهات، سعياً إلى البقاء على رأس السلطة، بات يخشى من فقدانها، إذ على الرغم من أن قواعد حزب المحافظين لا تسمح بإجراء تصويت آخر على سحب الثقة قبل مرور عام، إلا أنه يدرك أن هذه القواعد يمكن تغييرها، وأن هناك مخارج لإعادة طرح التصويت على الثقة، إذا قرر نواب الحزب تقصير هذه المدة، حفاظاً على مستقبلهم ومستقبل الحزب.