بقلم: أندرو غرايس – اندبندنت عربية
الشرق اليوم– عندما سافر بوريس جونسون في جولة تدوم ثمانية أيام لحضور ثلاث قمم ماراتونية في رواندا وألمانيا وإسبانيا، كان يتمنى أن تعزز أسفاره هذه وضعه على المستوى الداخلي، على الأقل عبر تذكير نواب حزب المحافظين بأهمية صفاته القيادية التي ظهرت في الملف الأوكراني من دون أدنى شك.
لكن الحرب [الأوكرانية] هي بمثابة النقطة السوداء في ملفه على الصعيد المحلي، أكان بين نواب حزبه أو في أوساط الرأي العام البريطاني. فعامل التعب من الحرب كان لا بد من أن يطغى فيما يبدو أن النزاع قد طال أمده [متوالي الفصول]. ولا يمكنها [الحرب] أن تغطي أزمة غلاء المعيشة وفضيحة “بارتي غيت”.
عندما يواجه رئيس الحكومة المتاعب في الداخل، فمن النادر أن ينجح في الإفلات منها عبر السفر إلى الخارج. ولكي يتجنب جونسون الاتهام بالتهرّب من المساءلة، اضطر إلى تخصيص ساعات طويلة للمقابلات الصحافية خلال قمة دول الكومنولث في رواندا كان الهدف منها النجاة إثر هزيمة حزب المحافظين في اقتراعين فرعيين. وعلى الرغم من أن بعض نواب حزب المحافظين رأوا أنه كان من واجب جونسون قطع جولته الخارجية لمواجهة التطورات على المستوى الداخلي، إلا أنه لو فعل لكان زاد الطين بلّة عبر التخلف عن التزامه بشعاره الدائم ألا وهو “تأدية واجبه الرسمي”.
إن مواقف جونسون المتعلقة بالحرب استحقت الثناء في أوكرانيا، لكن نظراءه من زعماء العالم لم تبهرهم هذه المواقف بالقدر عينه. فهم يلاحظون الازدواجية المثيرة في تصرفات رئيس للوزراء يسعى إلى الدفاع عن “نظام دولي يحكمه القانون” في أوكرانيا، فيما هو يعكف على المستوى الوطني على تمزيق [القانون والمعاهدات الدولية] عبر فرض قوانين للتملص من بروتوكول إيرلندا الشمالية. إن التشريع [البرلماني الذي يسمح له في الانسحاب من البروتوكول] قد زاد من تراجع الثقة بجونسون بين بقية القادة.
وفي هذا الإطار، علمت أن المستشار الألماني أولاف شولتز، “لا يبدي اهتماماً كبيراً بشخص جونسون” وهو متفاجئ بأنه ما زال على رأس السلطة في بريطانيا، إذ يفترض ألا يبقى في هذا المنصب في المستقبل القريب. إن جونسون هو كالبطة العرجاء، لا تأثير له في الساحة الدولية، فالقادة العالميين على دراية كاملة بما يواجهه كل منهم على المستوى الوطني الداخلي [من تحديات].
إن موقف جونسون السيّء الذي لا يحسد عليه قد يجعل من المستبعد أن تثمر خطواته النارية المتعلقة بإيرلندا الشمالية. أحد الدبلوماسيين الأوروبيين قال لي في معرض حديثه إن أي تنازلات ربما يقدمها الاتحاد الأوروبي قد لا تتم في عهد جونسون بل ربما في عهد من يخلفه، “لماذا علينا تقديم التنازلات له الآن؟”. أنصار رئيس الوزراء من ناحيتهم يحذرون من يعتبرونهم أعداء جونسون على المستوى الوطني أو الدولي من مغبة الاعتقاد أن عهد جونسون العظيم القادر على النجاة في أي ظرف قد انتهى مما سيسيء إليهم.
لكننا عشنا تجربة مماثلة في الماضي. فرئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، التي اختبرت عملياً متلازمة “البطة العرجاء” كانت قالت للنواب يوم الاثنين الماضي: “كما كنت قد اكتشفت عملياً بعدما واجهت التصويت على سحب الثقة من دوري كزعيمة… حينها يبدأ [المسؤولون في الاتحاد الأوروبي] بالتساؤل، هل يستحق منا ذلك العناء التفاوض مع هؤلاء الأشخاص الموجودين في الحكومة حالياً، لأنه في الأغلب لن يكونوا في مناصبهم لفترة طويلة من الزمن كما يبدو؟”
على الرغم من عناوين الأخبار والتواصل الودي [مع جونسون]، لم يكُن هناك تواصل حميم وصادق بين بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما التقى الزعيمان على هامش اجتماعات قمة دول مجموعة السبع الاقتصادية G7 في بافاريا. الكلام الذي يدور في حلقات الدبلوماسيين الأوروبيين هو أن جونسون كان قد “سخر من ماكرون” بعد تعبيره عن اهتمامه بفكرة الرئيس الفرنسي تشكيل “تجمع سياسي أوروبي” جديد، يكون أوسع من الاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يضم المملكة المتحدة، ثم صرّح جونسون بأنه حاول أن يكون مهذباً [حيال طروحات ماكرون]. أحد المصادر قال لي: “إن الفرنسيين والأميركيين يعتقدون أن مواقفه بخصوص أوكرانيا مجرد عرض عضلات، وأنه [أي جونسون] في الواقع يتحدث عن الوحدة في كل الأوقات، لكنه يقول ويفعل أشياء تغذي الانقسامات” [ولا تلغيها].
خلال قمة دول “حلف الأطلسي” (ناتو) التي عقدت في مدريد، حث جونسون شركاء المملكة المتحدة من الدول الأعضاء على زيادة موازنات الدفاع الخاصة بهم لمواجهة التهديدات الروسية، علماً أن المملكة المتحدة هي من بين دول الحلف المستهدفة لدفعها إلى الالتزام بتعهداتها وتخصيص اثنين في المئة من ناتج دخلها الوطني لموازنة الدفاع، لكن الحكومة تواجه هذه الأيام أزمة في قدرتها على تحقيق ذلك في المستقبل.
يدّعي جونسون أن إنفاق لندن على موازنة الدفاع بلغ حوالى 2.3 في المئة عندما نضيف مجموع قيمة المساعدات التي قُدّمت إلى أوكرانيا، لكن “حلف الأطلسي” يشير إلى أن قيمة مخصصات الدفاع البريطانية هذا العام لم تزِد على 2.1 في المئة. لكن الارتفاع الكبير بنسبة التضخم قد يعني أن حزب المحافظين لن يكون قادراً على الوفاء بالتزامه بوعده الانتخابي رفع الموازنة [الدفاعية] سنوياً وبشكل واقعي. يحاول وزير الدفاع بن والاس الضغط بشكل علني للحصول على تمويل أكبر، داعياً إلى تخلي [الحكومة] عن وعودها الفارغة والمضللة، من دون أن يسعى ريشي سوناك، وزير المالية البريطاني إلى الاستجابة لأي من مطالب وزير الدفاع.
بعض المسؤولين الأوروبيين لا يستسيغون الكلام الحاد الذي يتفوه به كل من جونسون و[وزيرة الخارجية] ليز تراس بخصوص أوكرانيا. ففي حديثها مع ثلاث صحف أوروبية، قالت وزيرة الخارجية البريطانية إنه لا يمكن “التوصل إلى سلام صعب فيما تبقي [القوات] الروسية على احتلالها لأراضٍ أوكرانية،” مكررة الحديث عن رغبتها بـ”دفع روسيا إلى الخروج من الأراضي الأوكرانية كافة”، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.
ينظر إلى ذلك الهدف [الذي تعلنه الوزيرة البريطانية] في بعض عواصم الاتحاد الأوروبي على أنه غير واقعي، لأنه من المستبعد أن يتخلى الرئيس فلاديمير بوتين عن مكاسبه غير المشروعة. في الجهة المقابلة، يتخوف بعض الوزراء في المملكة المتحدة من قيام كل من ألمانيا وفرنسا في وضع مستقبل علاقاتهما البعيدة المدى مع روسيا واقتصادهما الوطني على حساب تضامنهم مع أوكرانيا عندما تصبح الأمور على المحك كما سيكون عليه الوضع في يوم من الأيام.
على الرغم من أن قمة دول مجموعة السبع الاقتصادية G7 وقمة “حلف شمال الأطلسي” حافظتا على تقديم جبهة موحدة بخصوص أوكرانيا، فإن ذلك قد لا يدوم. إن التوتر قائم تحت السطح حالياً ويتشكل حالياً سيناريو هو بمثابة كابوس في الأفق، إذا نجحت روسيا في السيطرة على كل أراضي مناطق دونباس وأن تقوم موسكو بالدعوة لوقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات سلام على أمل أن تتمكن في الالتفات إلى تجديد آلتها الحربية وفي الوقت ذاته ضرب شرخ بين مواقف الدول الغربية.
عند نقطة الضغط تلك، لا بد من أن يجادل جونسون ومن دون أي شك بأنه لا يمكن إعادة رسم خريطة أوروبا بالقوة، لكنه حينها سيجد نفسه برفقة عدد أصغر من الأصدقاء والحلفاء على المستوى الدولي مما كان يود، وعندها عليه ألا يلوم سوى نفسه.