الرئيسية / مقالات رأي / الفحم يوقد شعلة الاستعمار الخامدة

الفحم يوقد شعلة الاستعمار الخامدة

بقلم: العنود المهيري – النهار العربي

الشرق اليوم- قاومت مطولاً الرغبة في الشماتة بالقارة العجوز “الخرفة”، إذ تعود القهقرى إلى استخدام الفحم بعد أن قطعت عنها روسيا إمدادات الغاز الطبيعي.

كان من المضحك بعض الشيء أن نشاهد أوروبا، تلك التي ما انفكت تحض الدول على الإقلاع عن الوقود الأحفوري، وتلقي عليها الدروس المطوّلة عن أهمية الاتجاه إلى الطاقة الشمسية والكهرومائية والريحية، وحتى الطاقة المتوّلدة من ركض “الهامستر” على العجلة، وهي تترجل عن صهوة فوقيتها المدعاة، وتزيد اعتمادها على الوقود الأحفوري “الأقذر” من حيث التأثير في الكوكب.

كم ذكّرني هذا الانقلاب في القيم البيئية بقول أبو الأسود الدؤلي:

لا تنهِ عن “فحم” وتأتي مثله، عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ.

ولكن لا يعنيني إذعان الدول الأوروبية لهذا الواقع الجديد الذي فرضته عليها الحرب، حتى وإن كنت أعتقد أنها ترتكب ما يعتبر نفاقاً إيكولوجياً معيباً. واقعياً، إن أوروبا لم تكن قد توقفت كلياً عن تعدين الفحم.

المثير للاهتمام بالنسبة إليّ، هو كيف فضحت أزمة الغاز الطبيعي قدرة الدول الأوروبية على تكبيد دول العالم النامي التأثيرات طويلة الأمد لممارساتها البيئية الضارة، أو “الاستعمار الكربوني”، إن صحت ترجمتي الركيكة Carbon colonialism.

الأمر لا يختلف جذرياً عن تأسيس الشركات الغربية لمصانعها ومعامل أنسجتها في الدول الفقيرة للاستعانة بالعمالة اليدوية الرخيصة، أو عن إيعازها إلى موظفي مراكز اتصالها، وإلى فنيي تقنيتها، في كبريات المدن الآسيوية بالاستجابة “من بُعد” إلى شكاوى العملاء وحل مشاكلهم.

فعندما تنامت حاجة أوروبا إلى الفحم، تناست القارة البيضاء كل مواقفها السابقة من الوقود الأحفوري، بل وشيطنتها له، لأنها وجدت دولاً نامية باتت تستطيع الاتكال على مصادرها الطبيعية بـ”النيابة”، فتستطيع بالتالي تحميلها الأضرار الشديدة لاستخراج الفحم، وما يتطلبه ذلك من إزالة للغابات، وتفجير للتربة بالديناميت، وتآكلها، وتلويث للهواء بالجسيمات المتطايرة والميثان، وتلويث لمصادر المياه السطحية والجوفية، الخ.

ليس غريباً في ظل هذا الاستعمار الكربوني أن تغيّر أوروبا نبرتها الوعظية المحذّرة من “القيامة” الرهيبة التي تنتظر كوكب الأرض إذا ما استمر الادمان على الوقود الأحفوري، فلقد مررت بكل خفة ورشاقة “الفاتورة الباهظة” للفحم إلى “بيئات” بعيدة من أراضيها وسواحلها وجبالها وغاباتها وبحيراتها.

فمن حيث كانت تنهب الموارد والثروات في أعماق أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، صارت الآن “تفوّض” الأضرار الإيكولوجية والهلاك، وتشحنهما بتذكرة ذهاب من دون عودة.

ليس غريباً أن أوروبا باتت تستحث بوتسوانا على استخراج ما لا يقل عن مليون طن سنوياً من الفحم، أو أنها صارت تستقدم ضعف وارداتها من الفحم الكولومبي مقارنة بـ2021، أو أنها رحّبت بمئات آلاف الأطنان من الفحم الإندونيسي حتى الآن، والذي، للمفارقة، لم يعد قادراً أصلاً على تلبية احتياجاتها المتعاظمة.

لقد اندثر الاستعمار بشكله السابق، ولكنه عاد في حلة “خضراء” جديدة، لعلها تخفي أيادي المُستعمر المسودّة جرّاء انتهاكاته البيئية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …