بقلم: نايجل غولد ديفيس
الشرق اليوم- عبّر وزراء دفاع آسيا، خلال حوار “شانغريلا” لعام 2022، من تنظيم “المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية”، عن قلقهم الشديد من تحركات روسيا في أوكرانيا، ويُعتبر اهتمام المشاركين في القمة بهذه المسألة الأوروبية تطوراً واعداً لكل من يحاول حشد تحالف دولي واسع ضد الغزو الروسي.
تُخيّم أزمة أوروبية على قمة وزراء الدفاع في آسيا للمرة الأولى على الإطلاق، وامتد حوار “شانغريلا” هذه السنة بين 10 و12 يونيو، وليس مفاجئاً أن يناقش المسؤولون الغربيون الحرب الروسية في أوكرانيا انطلاقاً من معارضتهم الموحّدة للعدوان الروسي، لكن أقدم جميع وزراء الدفاع الآسيويين على هذه الخطوة أيضاً، فقال وزير الدفاع الماليزي، داتو سري هشام الدين تون حسين، إن ذلك الصراع يترافق مع “تداعيات مزلزلة” في المنطقة، وبشكل عام تكلم وزراء الدفاع عن ثلاثة مخاوف:
أولاً: لا مفر من أن يؤدي أي انتهاك فاضح للقانون الدولي في أي جزء من العالم إلى إضعاف مفعوله في أماكن أخرى. ذكر وزير الدفاع الياباني، نوبو كيشي، أن الرد على العدوان الروسي لا يؤثر على مصير أوكرانيا فحسب، بل على النظام الدولي أيضاً.
ثانياً: يبدو أن المواجهة بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا قد تطلق صراعاً محتملاً بين الولايات المتحدة والصين بسبب تايوان، فقال كيشي إن “المجتمع الدولي يخشى منذ الآن أن يتكرر وضع مشابه للعدوان الروسي ضد أوكرانيا في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ”.
ثالثاً: تأثرت أسعار السلع مباشرةً بالحرب في أوكرانيا، وفي هذا السياق قال وزير الدفاع الإندونيسي، برابوو سوبيانتو: “قد يبدو الصراع بعيداً عنا، لكنه يؤثر علينا مباشرةً، حيث تتعلق المشكلة بالمواد الغذائية ومصادر الطاقة”.
لم يستنكر جميع المشاركين في القمة الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن الوفود الآسيوية عبّرت عن مخاوف شبه موحّدة من الآثار الاقتصادية المحتملة والتداعيات الأمنية على المدى الطويل، فأكدت بذلك على هشاشة النظام الدولي وأهمية مبادئه في آن، كما تترافق هذه المواقف مع نتيجتَين واضحتَين على الدبلوماسية الغربية:
أولاً: يُفترض أن تُشجّع هذه المواقف المعسكر الذي يحاول الحفاظ على تحالف دولي واسع ضد الغزو الروسي. أثار الاجتماع الذي حصل بين رئيس الاتحاد الإفريقي ماكي سال والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 3 يونيو، لمناقشة أزمة الغذاء العالمية مخاوف كبرى من تفكك ذلك التحالف، لكن في آسيا، لا تبدي أطراف كثيرة استعدادها لاعتبار روسيا جزءاً من الحل للأزمة التي افتعلتها، بل يعتبر معظم المشاركين التداعيات الأمنية مهمة بقدر تضخم أسعار السلع الأساسية على الأقل.
ثانياً، يُفترض أن تكون المخاوف الآسيوية كفيلة بردع الأطراف التي تميل إلى التنازل لروسيا عبر التفاوض على السلام وفرضه على أوكرانيا، لأن هذه المقاربة تكافئ العدوان وتعتبره ثمناً لإنهاء الحرب ولو مؤقتاً. تبدو المخاوف العميقة على سلامة النظام الدولي المبني على قواعد واضحة، وبالتالي استحالة تجزئة الملف الأمني، مشابهة لتصريح مندوب هايتي خلال نقاش عصبة الأمم حول غزو إيطاليا للحبشة عام 1935، فقال حينها: “دعونا لا ننسى في أي لحظة أن طرفاً آخر قد يتعامل معنا يوماً بالشكل الذي عومِلت به الحبشة”.
تنبّهت دول صغيرة إلى تلك الدعوة حينها، على عكس الدول الكبيرة والأكثر أهمية، ونتيجةً لذلك، فشل ردّها الشائب على غزو موسوليني (كان يهدف إلى التفاوض على تجزئة الحبشة وتجنّب تنفيذ أقسى العقوبات)، حتى أنه زاد جرأة المعتدين الآخرين ومهّد لاندلاع الحرب العالمية الثانية، ويبدو أن البعض في أوروبا يفضّل القيام بتسوية مشابهة اليوم، وتحمل أطراف أخرى في آسيا رؤية أكثر وضوحاً عن حقيقة ما يحصل، مع أنها تقع على مسافة أبعد من الأحداث، فحين زار قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا كييف للمرة الأولى ونظّموا لقاءً مشتركاً مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كانت أنظار القارتَين معاً تراقب ذلك الحدث عن قرب.