الشرق اليوم- قمة “الناتو” التي تعقد اليوم في مدريد لثلاثة أيام، تعتبر من منظور استراتيجي الأهم والأخطر التي يعقدها الحلف منذ تأسيسه في واشنطن العام 1949.
الأهم والأخطر، لأنه ينعقد في بيئة أمنية دولية يغلب عليها الصراع بوسائل عسكرية واقتصادية غير مسبوقة تهدد بالتوسع، لم يشهد العالم مثلها حتى في مرحلة الحرب الباردة بين القوتين العظميين آنذاك، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، إذ ظل الوضع يومها محكوماً بضوابط سياسية، وإن بدت بعض الأحيان نذر مواجهة بينهما، وخصوصاً خلال أزمة الصواريخ في كوبا العام 1962.
أمام حلف “الناتو” الآن ملفات ملتهبة في مواجهة روسيا التي تخوض حرباً في أوكرانيا من أجل حماية أمنها القومي، بعدما توسع الحلف باتجاه تخومها الشرقية، إضافة إلى توتر متزايد بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، حيث انتقل التنافس بين البلدين إلى مرحلة صراع على النفوذ والدور في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ.
وفي إطار تصعيد الصراع واستكمال محاصرة روسيا، يصرّ الحلف على التوسع من خلال السعي لضم كل من السويد وفنلندا، حيث ستكون هذه القضية مدرجة على جدول أعمال القمة، لكنها ما زالت تواجه معارضة من جانب تركيا التي تشترط على البلدين عدم إيواء “إرهابيين”، في إشارة للجماعات الكردية المعارضة التي تقيم في البلدين، حيث ترى أنقرة أن البلدين لم يتخذا حتى الآن “خطوات مرضية” ولم يقدما “ضمانات مكتوبة” ترفض دعم “المنظمات الإرهابية”. وإذا لم يتم التوصل إلى “تسوية” بين أنقرة وكل من السويد وفنلندا خلال يومين؛ فمن الصعب الموافقة على عملية الانضمام التي تشترط موافقة كل الدول الأعضاء على عملية الانضمام.
يخوض حلف “الناتو” في الواقع معركة تثبيت الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي ورفض وجود شركاء لها؛ من أجل الاستفراد بالساحة الدولة، والحؤول دون استمرار صعود روسيا والصين وأية قوة دولية أخرى تفكر بالمنافسة على القمة، وذلك من خلال تصعيد المواجهة بالضغط العسكري والاقتصادي.
ولتحقيق هذا الغرض، فإن الحلف وفي إطار المواجهة الجديدة سوف يقرّ استراتيجيته الجديدة بديلاً عن استراتيجية العام 2010، تكون قادرة على مواجهة التحديات الأمنية المتمثلة بالتهديد الذي تمثله روسيا والصين، إذ إن الاستراتيجية الجديدة ستنص على أن روسيا ستعتبر “تهديداً أمنياً، ولم تعد شريكاً” كما كان الحال في السابق، كما أن صعود الصين “يمثل تحدياً لمصالح وأمن وقيم دول الحلف”.
ذلك يعني أن المواجهة باتت مكشوفة بين الدول الغربية من خلال حلف “الناتو” وكل من روسيا والصين، وأن أبواب المسارات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين بدأت تضيق لمصلحة تصعيد الصراع. ولعل دعوة قادة كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا كضيوف على القمة مؤشر إلى مدى اتساع ساحة الصراع
المصدر: صحيفة الخليج