بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لم تمهل نشوة العقوبات الأوروبية على روسيا، قادة الاتحاد الأوروبي لرؤية ثمار هذه العقوبات، وهي تهوي بالاقتصاد الروسي، الذي ثبت بأنه عصي على الانهيار، وبدلاً من ذلك سرعان ما انشغل القادة الأوروبيون في معالجة ارتدادات هذه العقوبات على القارة العجوز.
المفاجأة بالنسبة للقادة الأوروبيين، تمثلت في أن الاقتصاد الروسي لم يتمكن من احتواء هذه العقوبات فحسب، وإنما بدأ يتعافى وينجح في التعامل مع الظروف الجديدة، بينما وجدت اقتصادات الدول الأوروبية، التي تعاني أصلاً الركود، نفسها في خضم أزمة مستعصية، مصحوبة ببوادر اضطرابات سياسية واجتماعية من المرجح أن تكون ذات تأثير كبير في أمن القارة الأوروبية. والأسوأ بالنسبة لأوروبا هو أن هذه العقوبات التي استخدمت أداة للضغط على روسيا، لم تفلح في وقف الحرب الأوكرانية، أو ثني روسيا عن مواصلة عمليتها العسكرية؛ إذ إن قواتها ما تزال تتقدم في الميدان، بينما تكتفي أوروبا بتقديم الهدايا العسكرية والسياسية لكييف من نوع قبول ترشيحها لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وقد يكون الأكثر سوءاً، هو أن تجد أوروبا نفسها، بعد كل هذه العقوبات والضغوط، غير قادرة على الاستغناء عن الطاقة والغاز الروسيين، اللذين يشكلان 40% من الاستهلاك الأوروبي، على الرغم من الجهود الحثيثة في كل الاتجاهات، لإيجاد مصادر بديلة، لأنها إن وجدت فستحتاج إلى سنوات لإعادة الاستقرار إلى السوق الأوروبية، ولأن كُلفتها أعلى بكثير من مصادر الطاقة الروسية التي كانت تؤمن احتياجات أوروبا طيلة العقود السابقة.
وعلى الرغم من الانقسام الأوروبي بشأن التخلي عن الغاز الروسي، والذي يختبئ خلف التظاهر بوحدة الموقف الأوروبي، فإن ما بدأ يظهر للعيان، هو أن كُلفة التخلي عن الغاز الروسي أعلى بكثير من الموقف الأوروبي الموحد؛ ذلك أن عودة بعض الدول، وفي مقدمتها ألمانيا وبريطانيا وبولندا والنمسا، لفتح مناجم الفحم الحجري، على الرغم من التحديات البيئية، ومعارضة أنصار المحافظة على البيئة، مؤشر واضح على حجم الأزمة في القارة العجوز.
فقد بدأت المؤسسات الألمانية، وحتى من داخل أروقة الحكومة، تحذر من توقف الكثير من المصانع والصناعات الحيوية، وبالتالي من خسائر باهظة في الاقتصاد الألماني. كما أن ارتفاع الكُلفة من جرّاء نقص الإمدادات، وارتفاع الأسعار وانعكاس ذلك على مختلف السلع الحيوية، وقطاعات المواصلات والتدفئة، بدأ يترجم إلى خسائر سياسية، كما في خسارة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا الانتخابات الجزئية الأخيرة، والتي باتت تمثل ضغطا قوياً على رئيس الوزراء بوريس جونسون. وكذلك الحال في فرنسا؛ حيث خسر تحالف الرئيس إيمانويل ماكرون الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان)، ناهيك عن ظهور بوادر اضطرابات في البلدين، على شكل إضرابات ينفذها عمال السكك الحديدية، وقطاعات أخرى، احتجاجاً على الغلاء، وارتفاع الأسعار، وللمطالبة بزيادة الأجور.
وهذه ربما تكون مقدمات تسبق دخول أوروبا فصل الشتاء، الذي قد يكون كارثياً إذا لم تتمكن من تعبئة خزاناتها الاحتياطية، أو حماية مواطنيها من البرد القارس، الأمر الذي يعزز حدوث المزيد من الاضطرابات، ويعرّض الأمن الأوروبي للخطر.